كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمَنْ أَحَبَّ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا إقْرَارَهُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَابَةِ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ لَهُ الثُّلُثَ فَقَطْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْوَارِثِ لَيْسَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْوَارِثِ وَلَيْسَ طَرِيقُهُ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَانِعٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ ثُمَّ يَمُوتُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَالِهِ بِدَيْنِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ لَأَخَذَ جَمِيعَ مَالِهِ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُمْ كُلُّهُمْ غَيْرَ ابْنِ سَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ سَحْنُونًا وَسَائِرَ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: مَنْ أَقَرَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَخٍ قَاسَمَهُ مَالَ أَبِيهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبٌ، وَلَوْ كَانَ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ لَمَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» الْفِرَاشُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هِيَ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْوَطْءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ مَا يُفْتَرَشُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ يُفْتَرَشُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَقَدْ اتَّخَذَ لَهَا فِرَاشًا، وَأَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَمَةِ الَّتِي جَعَلَ لَهَا فِرَاشًا وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَعْنَى الْفِرَاشِ الزَّوْجُ وَمَا قَالُوهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ السِّرَاجِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمِثْلِ مَا يُولَدُ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» عَامٌّ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَثْبُتُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَثَبَتَتْ بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ أَصْلُ ذَلِكَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ.

(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَمَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى وَلَدُ صَاحِبِ الْفِرَاشِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَفِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى سَأَلَ ابْنَ كِنَانَةَ عَنْ قَوْمٍ أَسْلَمُوا بِجَمَاعَتِهِمْ وَتَحَمَّلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَادَّعَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ زِنْيَةٍ أَيَلْحَقُ بِهِ قَالَ نَعَمْ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ مِنْ أَمَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَعَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ زَوْجُ الْحُرَّةِ فَيَكُونَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» .
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» الْعَاهِرُ هُوَ الزَّانِي.
وَقَالَ عِيسَى: سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ الْعَهَرُ فِي أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ظَاهِرًا وَهُوَ الزِّنَا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ الزِّنَا مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَهُوَ آثِمٌ وَمَا كَانَ خَفِيًّا أَوْ مُتَّخِذَةً خِدْنًا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] وَأَنْزَلَ {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَانَ مَنْ عَهَرَ بِأَمَةٍ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ أَوْ حُرَّةٍ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَاَلَّذِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ أَحَقُّ بِهِ «وَقَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجَرِ لِلْعَاهِرِ» عَلَى مَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَسْتَحِقُّ بِفِعْلِهِ الرَّجْمَ لَا الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَمُ زَانِيَ الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْرُجْ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِأَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَمَّا قَصَدَ أَنْ يُثْبِتَ الزِّنَا وَالْعَهَارَةَ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَشَدِّ أَحْكَامِهِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حُكْمُهُ جَلْدُ مِائَةٍ أَوْ جَلْدُ خَمْسِينَ وَعَلَى حَسَبِ

الصفحة 8