كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

نحن الآن -أيها السامعون- في وسط كانون، وهذه هي السماء مُصحية زرقاء ما فيها بقعة سحاب، وهذه هي الشمس ساطعة كأنها شمس آب (أغسطس). فأين الشتاء؟ أين الثلج والمطر؟ لقد تعاقبَت علينا سنون تكاد تكون كسِنِي يوسف، وذلك نذير من الله لنا لنعود إلى ربنا ونُقلِع عن ذنوبنا، ولكن أين مَن يسمع النّذُر؟
إن مفتاح المطر في أيدينا، ولكن أين من يفكّر في مفاتيح المطر؟ إن مفتاح المطر يا أيها الناس هو التوبة والاستغفار: {اسْتغفروا ربَّكم إنّهُ كانَ غَفّاراً، يُرْسِلِ السّماءَ عليكم مِدْرَاراً، ويُمْدِدْكُم بأموالٍ وبَنينَ، ويَجْعَلْ لكُمْ جَنّاتٍ ويَجْعَلْ لكم أنْهَاراً}. كُلّ ذلك بالاستغفار: بالاستغفار تهطل الأمطار، وبالاستغفار تجري الأنهار، وبالاستغفار يكون المال والبنون.
هكذا يقول ربّكم ربّ العالَمين، ليس هذا قولي أنا.
وليس الاستغفار باللسان وحده، ولكن بالإقلاع عن المعاصي وترك الذنوب. فهل أقلعنا عن ذنوبنا؟ هل تمسّكنا بديننا؟ هل عدنا إلى ربنا؟ هل نحن مؤمنون حقاً؟ يا أيها الناس، امتحنوا إيمانكم وحاسبوا أنفسكم. وصفَ الله المؤمنين بأنهم: {الذينَ يُؤمِنُونَ بالغيبِ ويُقيمونَ الصّلاةَ وممّا رزَقنَاهم يُنفِقُونَ}، وقال: {إنّما المُؤمنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُم وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُهُ زادَتْهُم إيماناً، وعلى ربِّهم يَتَوكّلونَ}. فهل نحن من الموصوفين بصفات المؤمنين؟
(إلى أن قلت): أوَلم يبيّن الرسول ‘ أن كل واحد منّا راعٍ

الصفحة 22