كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

حكومة هولندية باسم «جمهورية بتافيا» بقيَت إلى سنة 1806، أذاقت الأندونيسيين ألوان الأذى وسخّرتهم وأرضَهم لمصالح تجارها. وفي سنة 1811 سيطرَت على البلاد شركة الهند الشرقية البريطانية، وكان بطل الموقف القائد الإنكليزي الشهير رفلس الذي ذكرتُه لمّا تكلمت عن سنغافورة، فأصلح في الإدارة وكان حُكمه أخفّ أذى. ولمّا هُزم نابليون عادت البلاد إلى هولندا، فأصدرَت قانون الزراعة الذي غصبت فيه خيرات البلاد كلها (كما تصنع الآن إسرائيل في فلسطين) لتعوّض ما فقدَته من أموال في حروب نابليون، وكانت مجاعات مات في إحداها مئة ألف في سيمارنج فقط ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 1849 وآذار (مارس) 1850.
* * *
مرّ الاستعمار الهولندي في أندونيسيا بأربع مراحل:
فمرحلة امتدّت مئتَي سنة، من 1600 إلى 1816، كان الهولنديون فيها تجاراً مغامرين، يتوسلون بالحيلة أحياناً والقوّة حيناً إلى امتلاك أطراف البلاد والسيطرة على ملوكها بالمعاهدات واستلام خيراتها، وهم يتقدمون خلال ذلك إلى الأمام، كل يوم يدخل عليهم يزيدهم تمكّناً ونفاذاً، حتى ملكوا أكثر جاوة وأطراف سومطرة وكثيراً من الجزر الصغار.
ومرحلة من 1850 إلى 1904 كانت مرحلة تأسيس وتوطيد، وجمع المال من كل طريق، والإيقاع بين الملوك والتزلّف بالحيلة إلى قويّهم والسيطرة بالقوة على ضعيفهم.

الصفحة 242