كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

-ولو ناقصة- لِما كان، ولكنّ من المواقف ما تعجز عن تصويره الكلمات.
* * *
ورجعنا بنفوس غير التي جئنا بها، ومرت الجمعة، ومرّ السبت والأحد والإثنين والسماءُ على حالها، زرقاء ما فيها مُزْنة سحاب، والمستهزئون يتكلّمون والشامتون لا يسكتون. فلما كان يوم الأربعاء، بعد خمسة أيام من صلاة الاستسقاء، قال الكريم: خذوا.
وكان غيث عامّ استمر إلى موعد حديثي الأسبوعي بعد صلاة الجمعة يوم 4/ 11/1960، والحديث مكتوب أمامي. قلت فيه:
الحمد لله، الحمد لله، اللهمّ يا ربّنا لك الحمد. كنا قبل ثلاثة أيام فقط ننظر إلى السماء فنراها مُصْحِية زرقاء ما فيها قطعة سحاب، ونبصر بردى فنرى الهرّة إذا خاضت ماءه لم يبلغ ماؤه بطنَها، وباناس الذي يدعونه بانياس (من فروع بردى) عند شارع الجامعة قد تركوا مجراه وشقّوا في جانبه ساقية عرضها شبران، فكان ماء باناس لا يملؤها. وتورا (أكبر فروع بردى) في آخر القَصّاع ليس فيه قطرة ماء وأرضه جافّة كأرض الشارع. ونتلفّت وراءنا فنرى ثلاث سنين توالت بالجدب، حتى يبسَت الأرض، ومات القطيع، وشحّت الينابيع، وغارت الآبار، فكاد اليأس يملأ نفوسنا.
كان هذا كلّه قبل ثلاثة أيام فقط. فتعالوا انظروا الآن، تعالوا

الصفحة 35