كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

انظروا آثار نعمة الله وقولوا: الحمد لله، الحمد لله، اللهمّ يا ربّنا لك الحمد.
وتعالوا فاسألوا أنفسكم: كيف تمّت هذه النعمة؟ كيف استنزلنا الأمطار حتى عمّت الديار وشملت العباد فأحيَت البلاد؟ هل استنزلتم المطر بآلات نصبتموها أو حسابات حسبتموها، أو أسباب مادّية اتخذتموها؟ لا، ولكننا استنزلنا المطر بالأمر الذي جعله الله وحده سبباً لنزول الأمطار (كما جعل سبب الإحراق النار) وهو الاستغفار.
إن الله الذي خلق الأسباب وخلق المسبَّبات خلق النار وجعلها سبب الإحراق، وخلق الماء وجعله سبب الريّ، وخلق الطعام وجعله سبب الشبع، وخلق العقول وجعلها سبب التفكير والعلم، الله نفسه الذي خلق هذا كله: السبب والمسبَّب، هو الذي أمر بالدعاء والاستغفار وجعل ذلك سبب نزول الأمطار.
لقد دعوتكم السنة الماضية وقلت لكم: إن الخروج للاستسقاء من سُنَن الدين التي نسيها الناس في الشام، فليس في دمشق كلّها من رأى خروجاً عاماً للاستسقاء. مع أن هذه السنّة موجودة في بلاد المغرب إلى اليوم، خبّرني السيد المنتصر الكتاني أن أهل فاس كلما كان الجدب وكلما قلّت الأمطار يجتمعون في الجامع الكبير، ثم يخرجون جميعاً معهم الأولاد والضعفاء، يتقدّمهم العلماء والأمراء، وكلهم متذلّل متخشّع يلبس رثّ الثياب، وقد يمشون حفاة، فلا يزالون يَدْعون الطريق كله بهذا الدعاء المأثور: "اللهم اسقِ عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك،

الصفحة 36