كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

وأحيِ بلدك الميت". ويُعلِنون التوبة والاستغفار، حتى يصلوا إلى المصلّى في خارج البلد فيصلّوا ركعتَي الاستسقاء، ويخطب الخطيب ويدعو ويجهرون بالاستغفار والدعاء.
وقلت لكم: أحيوا هذه السنّة في دمشق، فإن من أحيا سنّة ميتة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما أن من سنّ سنّة سيّئة أو أحياها بعد ما ماتت كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. ورويت لكم قصّة الاستسقاء على عهد النووي والكتاب الذي كتبه (وذلك كلّه في كتابي عن النووي)، ودعوتكم إلى صيام ثلاثة أيام، وإلى ردّ المظالم وأداء الحقوق وصدق التوبة، والخروج إلى الاستسقاء إلى سفح قاسيون.
فاستجاب أكثر العامة وصاموا، وصام أكثر النساء واستعدّوا، ولكن من الناس من سخر منّا وهزئ بنا وقال: نحن في عصر الذرّة وأنتم تعالجون أموركم بالدعاء؟ قلت: لا يا أصحابنا، نحن لا ندَع العلم ولا نهمل الأسباب، ولا نقول للعطشان -والماء أمامَه- اترك الكأس لا تمدّ إليها يداً وقل اللهم اروِني، ولا نقول للرجل اترك مريضك لا تعرضه على الطبيب ولا تشترِ له الدواء وقُل اللهم اشفِه، ولا نترك النار تشبّ في الدار لا نُلقي عليها دلو ماء ونقعد ندعو نقول: اللهمّ أطفئ النار!
لا، ولا يقول هذا الشرع. إن الشرع يأمرنا أن نتخذ الأسباب المادّية كلها، أن نُعِدّ للعدوّ عُدّة القتال، أن نستعمل للمريض أحسن الدواء، أن نسعى للرزق أكمل السعي، ثم ندعو الله الذي خلق لنا هذه الأسباب وخلق لنا العقول التي عرفنا بها أسرارها،

الصفحة 37