كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

وخلق لنا هذه الأسرار وأودعها في مخلوقاته.
فخبّروني، هل لاستنزال المطر سبب مادّي عندكم فنتخذه؟ وإذا كنتم تعترفون بأنكم لا تملكون سبباً مادّياً تُنزِلون به الأمطار العامة التي تعمّ البلاد وتروي أرضها، فلماذا لا تَمُدّون أيديكم إلى من يستطيع وحده أن يُنزِل المطر فتسألوه وتدعوه؟
وقال قوم: كيف تستسقون الآن ووقت المطر ما جاء؟ إنكم تخرجون فتدعون فلا ينزل المطر، فيكذّب الناس بالدين ويسخرون بأهله وتكونون أنتم السبب. قلنا: ما للاستسقاء وقت؛ وقته عند الحاجة إلى المطر. وما دون كرم الله حجاب ولا على عطاء الله حساب، وقد نصّ العلماء على أنها إذا اشتدّت الحاجة إلى الماء جاز الاستسقاء ولو في قلب الصيف.
وقال قوم: أصلحوا أنفسكم وطهّروها قبل أن تخرجوا للاستسقاء. قلنا: نحن نعرف والله أن قلوبنا في غفلة، وأن الذنوب تُرهِق بثقلها عواتقنا، وأننا خَطّاؤون. وإننا نستحيي لكثرة ذنوبنا أن نمدّ أيدينا فنقول يا ربّ، ولكن خبّروني: لِمَن نمدّ أيدينا إن لم نمدّها إليه؟ ألنا ربّ غيره؟ هل في الوجود إله آخر نفرّ إليه من الله؟
إنه لا رب إلاّ الله، وكل ما في الوجود ملكه، ونحن عبيده، مهما فررنا منه فلا بدّ من رجوعنا إليه، لذلك جئنا مُقِرّين بذنوبنا تائبين من معاصينا، نسأله أن يعيننا على ترك الذنب وعلى صدق التوبة لأنه لا حول لنا ولا قوة إلاّ منه وبه.
لقد قلنا: يا رب، إننا نرى المنكَرات الفاشية والمعاصي

الصفحة 38