كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

والمقالة طويلة. وكتبت بعدها بهذا العنوان فقلت: «إلى السلاح يا عرب». هل تذكرون يوم ناديتكم من هذا المذياع (أعني إذاعة دمشق) وهتفت بكم: إلى السلاح يا عرب؟
لقد نقد كلامي يومئذ أقوام لأنه جاء في غير أوانه فكان صرخة في وادٍ مقفر. وكان الحقّ مع هؤلاء الناقدين؛ كان الحقّ معهم لأنني يوم ناديت هذا النداء (وكان ذلك من ثلاث سنوات) لم يكن قد طلع هذا الفجر، ولم يكن قد أشرق الأفق بالنور، وكنا لا نزال في بقية من سواد الليل، نتخبّط على غير هُدى ونمشي على غير الطريق.
كنا نظنّ أن الطريق إلى المجد والظفر وإلى غسل الهزيمة ومحو العار هو طريق مجلس الأمن وهيئة الأمم، ذلك الطريق الطويل الملتوي الذي يكمن في جنباته قُطّاع الطرق واللصوص من اليهود. وقد عصينا الشيخ دُرَيداً (أعني دريدبن الصِّمّة) لمّا نصحنا فقال:
أمرتُهمو أمري بمُنْعَرجِ اللَّوى ... فلم يَستبينوا النّصحَ إلاّ ضُحى الغَدِ
وكان دريد العصر هو فارس الخوري، الذي رأى الجادة حين ضلّ عنها السارون فقال لنا: إن قضية فلسطين لا تُحَلّ في أروقة هيئة الأمم، ولكن تُحَلّ على سفوح الكرمل وشواطئ يافا وهضاب القدس، ولا تُحَلّ بالخطب والأشعار ولكن بالحديد والنار. وأشهد للحقّ وللتاريخ أنه قد قالها قبله رجل أعظم منه، قالها قبله عبقري العصر الذي بنى لأمته من الأمجاد ما لم يَبنِ

الصفحة 392