كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

مثلَه لأمته عظيمٌ في هذه العصور، هو عبد العزيزبن عبد الرحمن الفيصل آل سعود. إن من الحقّ أن أسجّل أنه كان أول من عرف الطريق، الطريق الذي رأيناه الآن جميعاً. الطريق الذي يوصل وحده إلى استعادة الحقّ المسلوب والنصر الضائع؛ طريق المعركة الحمراء التي لا يظفر فيها إلاّ من حمل سلاحين: سلاح الإيمان في قلبه وسلاح البارود في يده.
لذلك أعود اليوم لأنادي مرة ثانية: «إلى السلاح يا عرب». أنادي أمة لم تعُد تحتاج إلى ندائي لأنه لم يبقَ فيها نائم فأوقظه، ولا ذاهل فأنبهه، ولا ناسٍ فأذكّره، ولا شحيح يضنّ بالقليل من ماله على أمّته وشرفه ودينه حتى أسخّيه وأرغّبه في البذل والعطاء. أنادي شعباً دعاه ربّه وهتف به قلبه، فلبّى قبل أن يسمع ندائي، فعلامَ إذن أعود فأصيح: إلى السلاح يا عرب؟
(إلى أن قلت): إن اليهود لديهم سلاح، ولكن اليهودي يقاتل حينما يكون في قلعة حصينة أو دبابة متينة، يستر جُبنَه بالحجارة والحديد. ولقد نبّهنا إلى هذه الظاهرة التي رآها كل من شهد معارك فلسطين قائدٌ كبير، وأفاض فيها وافتخر بأنه أول من انتبه لها، وهو طه باشا الهاشمي، وكان الحديث في فندق شط العرب في البصرة، فقلنا له (أنا والأستاذ الصواف): إنك يا باشا لم تكشف شيئاً مستوراً؛ إنها ظاهرة في اليهود، ظاهرة معروفة من قديم من نحو ألف وأربعمئة سنة، حين أنزل الله في كتابه قوله: {لا يُقاتِلونكُم جَميعاً إلاّ في قُرىً مُحَصَّنةٍ أو مِنْ وَراءِ جُدُرٍ، بأسُهُم بينَهم شديدٌ}. فدُهش وقال: آمنت بالله، لقد نسيت هذه الآية من كتاب الله.

الصفحة 393