كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

التي استوردناها من بلاد غيرنا وتركنا لأجلها سلائق عروبتنا وأخلاق ديننا. ولولا الهدنة لقذفنا بإسرائيل إلى البحر.
ونحن قادرون على ذلك بعون الله، قادرون إن جدّدنا إيماننا وصدقنا إرادتنا وعدنا إلى وحدتنا واستظللنا براية قرآننا وتسلّحنا؛ فإلى السلاح يا عرب. إلى السلاح، فإن كل استقلال لا يحميه السلاح قلعة مبنية على تلّ من الملح في مجرى السيل. إلى السلاح، فإن كل حقّ لا يؤيّده فم المدفع حقّ معرَّض للاغتصاب. إلى السلاح لتحموا به إيمانكم وأوطانكم، وتدافعوا به عن أرضكم وعن عرضكم، ولتذودوا به عن أجداث أجدادكم وآثار أمجادكم.
لقد كنا من عشرين سنة (ولا تنسوا أن المقالة مكتوبة من ثلاثين سنة) إذا دعونا إلى السلاح ألقت بنا الحكومة في السجن، وكان في الشام وفي لبنان وفي الساحل حكومات يتنزّل عليها الوحي من قصر الصنوبر في بيروت، وكان في كل وزارة مستشار فرنسي، والمستشار هو الوزير والوزير كاتب عند المستشار، وعلى كل رابية قلعة فيها جنود أعدّوا بنادقهم ليُفرِغوا رصاصها في صدور كل من يهتف بالاستقلال، وفي كل قلعة مدافع موجهة إلى بلدنا تترقّب همسة بالحرّية لترمي بلدنا بصواعق من بارود فتهدمه على رؤوسنا.
فاحمدوا الله على أن فيها اليوم حكومات منا وإلينا إذا نادت وجدَت أبداً ملبّياً منا، وأن هذه القلاع صارت لنا بعدما كانت علينا، وأن الرجل الذي كان قائد الشعب في معركة الاستقلال في الشوارع وفي الساحات وفي المضايق والأودية أيام الثورة وكنت

الصفحة 395