كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

من الثمر حتى صار يُباع البطيخ ينادى عليه في دمشق مرغَّباً فيه: "يا مال الأبش يا بطيخ". فلما جاء «التأميم» قسّمها قطعاً صغاراً بين الفلاّحين، فلم يقدر أحد منهم أن يجيء بآلة حرث ولا بَذْر ولا حصاد، وما كانوا ليتّحدوا ليحلّوا باتحادهم محلّ الأبش بانفراده، فعادوا يحرثون بالمحراث الذي كان يُستعمل أيام الفراعنة تجرّه البقر، وعاد الثمر يُكدّس في مكانه أو يُنقَل على الدوابّ والحمير، فما مرّ ربع قرن حتى رأيناها عادت صحراء كما كانت قبل الأبش صحراء.
وأنا والله لا أعرف الأبش ولا الدبس ولا أدافع عنهما ولا عن أمثالهما، ولي كتابات كثيرة جداً في جرائد الشام أيام الحرب الثانية وفي «الرسالة»، لا سيما في السنة التي أقمت فيها في مصر مُوفَداً إلى وزارة العدل فيها من وزارة العدل في الشام (سنة 1947)، وطالما حذّرتهم وقلت لهم: كلما اتسعت المسافة بين فقر الفقراء وغِنى الأغنياء فُتح الباب للشيوعية لتدخل من هذا الفراغ، وإنْ كانت الشيوعية لا تُذهِب فقرَ الفقير ولكن تَذهب بغِنى الغنيّ، فتحقّق المساواة ولكن في الحاجة والفقر!
كان شعارنا تلك الأيام: «وحدة، حرّية، اشتراكية»، وهو شعار الاتحاديين لمّا قاموا في تركيا قبيل الحرب العالمية الأولى: «حرّيَتْ، أخُوَّتْ، مُساوات"، وهو نفسه شعار الثورة الفرنسية. وهو مِن وَضْع اليهود، وضعوه خداعاً للناس وصرفاً لهم ببريق هذه الألفاظ عن حقيقة معناها.
لقد فقدنا حرّيتنا وشعارُنا الحرّية، وصرنا محبوسين مقيّدين

الصفحة 59