كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

أديب صالح، نقرأ بعض الكتب في الأصول. فاستدعوهم واحداً واحداً، وكانوا يتعمّدون إزعاج مَن استُدعي منهم بتركه ساعتين أو ثلاثاً لا يفتحون له الباب ليخرج ولا يطلبونه ليدخل ليحطّموا بذلك أعصابه، ثم إذا دخل على المحقّق سأله عن هذا الاجتماع وعمّا نصنع فيه. أما أنا فلم يتعرّض لي أحد ولم يسألني أحد عن شيء.
وهذا قليل من كثير، قطرة من بحر ممّا رأينا أيام الوحدة وشاهدنا. فماذا نصنع والدواهي الثلاث نازلة علينا؟ واحدة في ديننا، وواحدة في أموالنا، وواحدة في حرّياتنا؛ كأن ذلك هو التفسير العملي للشعار المعلَن «وحدة، حرّية، اشتراكية»: الوحدة تمزيق، والحرّية سجن، والاشتراكية خراب كامل وفقر شامل.
لما كانت الجلسة الأولى التي نتجَت عنها «رابطة العالم الإسلامي» في حج سنة 1381هـ كنت مع الحُجّاج، فأخذني المفتي الشيخ محمد حسنين مخلوف والمفتي الشيخ القلقيلي والصديق الداعية الإسلامي الشيخ الصوّاف، أخذوني بشِبْه الإكراه إلى هذه الجلسة، وأظنّها كانت بحضور الملك سعود رحمه الله. وكان كلام في بدعة الاشتراكية وأنها ليست من الإسلام، فقلت لهم: كيف؟ وقد ذُكرت في القرآن؟
فتعجّبوا وقالوا: أين ذُكرت؟ قلت: في قوله تعالى لإبليس: {وشَارِكْهُم في الأموالِ والأولادِ}!
* * *
صبرنا حتى ضجّ من صبرنا الصبر، وحملنا حتى ضاق بما

الصفحة 62