كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

إليّ مَن يطلب مني أن ألقي خطبة الجمعة في جامع بني أميّة لتُبلغها إذاعة دمشق الناس.
ولم أكن قد عرفت حقيقة هذا الانفصال ولا القائمين به، فتنصّلت وتملّصت واعتذرت، فلما يئسوا مني كلّفوا بها صديقنا خطيب جامع بني أميّة، الرجل الصالح الشيخ أبا الفرج الخطيب. ثم عادوا إليّ يطلبون مني أن ألقي كلمة في الإذاعة، وكنت قد عرفت أسماء القائمين بهذا الانفصال وتيقّنت أنهم ليسوا عفالقة بعثيّين ولا بكادشة (نسبة إلى بكداش) شيوعيين، وليسوا من الفاسقين المنحرفين، فقبلت أن أقول كلمة من الإذاعة أعلّق بها على الانفصال، وأن أُلقي خطبة الجمعة المقبلة على أن تُذاع من جامع التوبة، وكان ذلك.
وهذا هو نصّ كلمتي في الإذاعة (¬1):
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد عدت إليكم، عدت بعدما ظننتُ وظنّ الذين منعوني أني لن أعود. لقد قرّروا ألاّ ألقاكم أبداً لأنهم كانوا يظنّون أن السلطان يبقى لهم علينا أبداً. وظنّوا أنهم سَمّروا الفَلَك بمسمار فلا يدور، ونسوا أن الفَلَك دوّار وأن الأيام دُوَل، وأنه لم يَدُم المُلك لمن كان قبلهم حتى يدوم لهم.
وما منعوني لأني أجرمت جرماً، ولا لأني أسأت للبلاد
¬__________
(¬1) أُذيعت يوم الثلاثاء 3/ 10/1961، بعد الانتفاضة (حركة الانفصال) بخمسة أيام، ونُشرت في جريدة «الأيام» في اليوم التالي (مجاهد).

الصفحة 64