كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

ويسكتون في موضع الهتاف والتصفيق، ويقطعون الجملة عليه من وسطها ليهتفوا أو يصيحوا، أو يقوم قائم فيهم فيُلقِي خطبة أخرى قصيرة لا صلة لها بخطبة الرئيس ...
ولكنه مع ذلك كان يقول كلاماً يؤثّر فيمن لا يعرف حقيقة ما كان. إنه يمدح الوحدة ويدعو إلى الحفاظ عليها. ونحن نمدح الوحدة وندعو إلى الحفاظ عليها، بل نحن كنا أول من دعا إلى هذا، ونحن معشر العلماء خاصة كنا أصحاب دعوتها لأنها شعبة من شعب ديننا، وحكمها في آية من كتاب ربنا الذي نقرأ به في صلاتنا ونراه دستور دنيانا وديننا، قال تعالى: {إنّما المُؤمنونَ إخوةٌ}. فإذا كان ديني يوجب عليّ أن أَعُدّ آخر مسلم في أقصى الأرض أخي، فهل تراني أجحد أُخُوّة المصري وهو أخي في الدين وفي اللسان وفي الجوار وفي الذكريات في الآلام؟
ولو جحد الناس جميعاً أُخُوّة الشاميين والمصريين، لما استطعت أنا أن أجحدها، لأن مصر أصلي وطنطا بلدي والذي نزح منها جدّي أبو أبي، ولأن لي فيها نسباً وصهراً، ولأن لي فيها إخواناً وصحباً، ولأنني أقمت في مصر سنين طوالاً، ولأني لا أفرّق بين القاهرة ودمشق، وكلاهما بلدي وبغداد بلدي وعمّان بلدي، ومكّة بلدي وبلد كل مسلم.
إن الوحدة هي أمل كل واحد منّا، وهي أقصى ما يتمنّاه الكبير فينا والصغير، والرجل في السوق والمرأة في البيت والولد في المدرسة. ولو جاء مَن يقول لنا اكفروا بالوحدة لكفرنا به هو ولم نبالِ به، ولو كان معه دبّابات الدنيا وطياراتها وقنابلها

الصفحة 66