كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

الذرّية. ولو أن هؤلاء الضبّاط الثائرين أنكروا الوحدة وحاربوها لأنكرناهم وحاربناهم، ولكنهم لم يُنكِروها بل صرّحوا (ولا يزالون يصرّحون) بأنهم يؤمنون بها. لم يحاربوها، بل لقد أيّدوها ولا يزالون يؤيّدونها. فلا تقولوا إننا خصوم الوحدة، فإن الدعوة إلى الوحدة من عندنا خرجت؛ نحن لقّناكم إياها ونحن علّمناكم النطق باسمها.
أنا أعرف مصر من سنة 1928، وكنت أول طالب من الشام ذهب بعد البكالوريا ليدرس في مصر. فمتى كانت مصر تنادي بالعربية؟ متى؟ أيوم كان النقاش بيننا وبين الدكتور هيكل وجماعة «السياسة الأسبوعية» الذين كانوا يدعون إلى الفرعونية؟ يوم كانت المناظرة بين كُتّاب الشام ولبنان وبين طه حسين لمّا قال في الباخرة «مارييت باشا» (وهو في طريقه للاصطياف في أوربّا سنة 1937 على ما أذكر) إن مصر لا تعرف إلاّ المصرية وإنها لا تؤمن ولا تستطيع أن تؤمن بالعربية؟ يوم كان سلامة موسى يُعلِن جهراً في جرائد مصر أن الدعوة العربية ضلالة، وأن الرابطة الشرقية سخافة، وأن مصر قطعة من أوربا؟ نحن علّمناكم معنى الوحدة.
أعلّمُهُ الرمايةَ كلَّ يومٍ ... فلما استدَّ ساعدُهُ رمانِي
وكم علّمتُهُ نظم القوافي ... فلمّا قالَ قافيةً هجاني
لا يا سيدي الرئيس؛ نحن لم نكن قطّ ولن نكون أبداً أعداء الوحدة ولا دُعاة الانفصال، ونحن الذين طلبوا الوحدة وأعلنوها في مجلسهم في الشام قبل إعلانها في مصر.
أنا يا سيدي لست من أهل السياسة ولا من رجال الحكم.

الصفحة 67