كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

أنا رجل من رجال العلم والأدب، ولكن إن لم أكن على مسرح السياسة فإني في القاعة أسمع وأرى، لست بحمد الله أصمّ ولا أعشى. إننا لما سمعنا نبأ إعلان الوحدة من نحو أربع سنين ما صدّقنا من فرحنا ما نسمع وفركنا آذاننا وأصغينا كَرّةً أُخرى، حتى وثقنا أن الحلم صار حقيقة، فرقصَت من السرور قلوبُنا في صدورنا. ولمّا جئت الشام أول مرّة -يا سيادة الرئيس- خرجَت الشام كلها لاستقبالك، ولمّا قلت استمعَت لقولك وصفّقَت لك. فما الذي جرى حتى تَبَدّل الأمر؟ كيف أجمعت الأمّة في الشام على الفرح بالوحدة ثم أجمعت على الفرح بالخلاص من الوحدة؟
اسمح لي أن أقول بكل احترام، فما يجدر أن أسيء الأدب معك حين لم يبقَ لك عليّ سلطان، أقول إنك أنت الذي خيّب أملها في الوحدة. إنك لم تفهم طباع هذا الشعب ولا أخلاقه. إن الشعب في الشام أخو الشعب في مصر، ولكن قد تختلف طباع الأخوَين في الدار الواحدة، وما يصلح في مصر لا يصلح في الشام، والثوب الذي يُفصَّل لمصر لا يستطيع أن يلبسه أهل الشام. وأنت أردت أن تُلبِسنا ثوباً لم يُفصَّل علينا.
كنا نتألم ولا نستطيع أن نتكلّم. وأنا ألتمس لك المعاذير؛ سأقول إن من الممكن أنك لم تكن تعلم بآلامنا. ولكن لماذا لم تعلم بها؟ وهل المسؤول نحن أم المسؤول أنت يا سيدي؟
لقد تعوّدنا أن يذهب أصغر واحد فينا إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزارة فيقرع عليه الباب متى شاء ويكلّمه كما يكلّم

الصفحة 68