كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 6)

لما كان وزيراً للأوقاف، فلم أحسّ منه أنه وضع هذه الخطّة أو أنه يريدها.
وأنتم تعرفون أني لا أتزلّف إلى أحد، ولا أقول هذا الكلام الآن ليصل إليهما لأستغلّه في جلب منفعة لنفسي منهما أو دفع مضرّة عنها، ولكن أقول الحقّ. وليس معنى كلامي هذا أنهما وليّان من أولياء الله ولا أنهما الحسن البصري وسفيان الثوري، ولكن معناه أننا لم نشعر أن الرجلين خصمان للفضيلة ولا للأخلاق. فمن هو إذن الذي وضع هذه الخطّة الشيطانية لإفساد أخلاق الشباب والشابّات؟
وضعها هؤلاء الذين تربّوا في باريس فانطلقوا فيها وراء لذّاتهم انطلاق العطشان الهَيْمان إن رأى الماء، فلما تركوها حنّوا إليها وأرادوا أن ترجع لهم أيامها، وجئنا نحن فسلّمناهم أمر أبنائنا وبناتنا فأرادوا أن يجعلوا دمشق مثل باريس. ونسوا أن هذه الأخلاق هي التي أوْهَت قُوى فرنسا ونخرَت في عظمها نخر السوء فجعلَتها لا تقف أمام جيوش هتلر إلاّ أياماً معدودات.
المسؤول هؤلاء الذين يعملون من وراء الستار. ولكنّ هناك مسؤولاً آخر، هناك من هو مسؤول قبل هؤلاء كلهم، وهذا المسؤول هو الأب. إنهم ما أخذوا بنتاً لترقص إلاّ بموافقة من أبيها، وإنهم ينتقون كل بنت جميلة ليعملوها راقصة في المسارح المدرسية أولاً ثم في غيرها بموافقة من أبيها. والذي نعرفه نحن أن الأب العربي المسلم يطير عقله إن رأى بنته تكلّم شاباً أجنبياً أو تمشي معه، فإن رآها كشفَت أمامه عن ساقها أو هزّت له رجلها

الصفحة 8