كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 7-8)
فيا ليل ليتك لا تنقضي وما صبح ليتك لا تقترب
فوجدت والله من إشناعة هذه الحال ما يجده الخائف غابة واقيه، والسليم عدم طبيبه وراقيه، خوفاً على جاه مولاي أن يميل، ويشنع فيه القال والفيل، فيصل إليّ من المصاب بذلك ما يعشي الناظر، ويخذل الناصر، لا سيما والنسب حظه من الشرف الخطير، وقسطه من الإعظام والتوقير، والصغير يعد به كثيراً، والحصاة تحسب معه ثبيراً، ولو كان مولاي مد على هذه السقطة سجفاً، وشرب ذلك العقار مزجاً لا صرفاً، لجاز أن تخفى القصة، وتنساغ قليلاً (1) هذه الغصة، فالعقل نعم الرقيب، والليل نهار الأديب، ويجب أن يتحقق مولاي أني ما أطلقت هذه اللفظة إلا وقد حصر الكتمان، والتقت حلقتا البطان، وسمعت ما يصم الآذان.
وله من أخرى (2) :
ما زال يختار الزمان ملوكه حتى أصاب المصطفى المتخيرا
قل للألى ساسوا الورى وتقدموا قدماً هلموا شاهدوا (3) المتأخرا
تجدوه أوسع في السياسة منكم صدراً وأحمد في العواقب مصدرا
إن كان رأياً شاوروه أحنفاً أو كان بأساً (4) نازلوه عنترا
قد صام والحسنات ملء كتابه وعلى مثال صيامه قد أفطرا
ولقد تخوفك العدو بجهده لو كان يقدر أن يرد مقدرا
__________
(1) قوله " الليل نهار الأديب " فيه إشارة إلى قصة ليحيى البرمكي حين بلغه أن ابنه الفضل قد تشاغل باللذات عن النظر في أمور الرعية - وكان والياً بخراسان - فكتب إليه يلومه، وضمن رسالته أبياتاً يقول فيها:
فكابد الليل بم تشتهي ... فإنما الليل نهار الأديب انظر ابن خلكان 4: 28.
(2) منها ثلاثة عشر بيتاً في الخريدة: 16 ب وأحد عشر في ابن خلكان 2: 90 وقال ابن خلكان: وقد اقتصرت منها على هذا القدر خوفاً من التطويل.
(3) الخريدة: هلم فشاهدوا.
(4) الخريدة والوفيات: رأي ... بأس.