كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 7-8)

الحضرة مغدقةً، ووفود المواهب بساحاتها محدقة، ويمتع الدنيا بمحاسنها التي يتطامن لها ذو الأبصار، وتتأرجح تأرج القطر في جميع الأقطار.
وله من أخرى:
فولجت منزلاً قد استعار من قلب العاشق حراً ورهجاً، ومن أخلاق مالكه ضيقاً وحرجاً (1) ، كأنما زفرت فيه النار، ونقط على جدارنه (2) بالقار، فجلست طويلاً إلى أن حضر الإخوان، وقدم الخوان، فرأيت أرغفة قد أحكمت في الصغر والألطاف، ولم تتعوذ قط من الأضياف، وقد مرت عليها أيام، وعنيت بقول ابن بسام (3) :
أتانا بخبزٍ له يابسٍ كمثل الدراهم في خلقته
إذا ما تنفست عند الخوان تطاير في البيت من خفته
وثلاثة صحافٍ، واسعة الأكناف، بعيدة الأوساط من الأطراف، قد جعل في قرارة كل منها ما [لا يدفع السغب، ولا تجده / [191] اليد إلا بالتعب، فجلنا جولةً وعينيه تطرف علينا شمالاً ويميناً، وتتفقد منا حركةً وسكوناً، وقمنا ولم نقارب الكفاف، وقد ظن بنا الإسراف، فحضرنا مجلس المعاقرة فأديرت علينا قهوة قد خصت باللون الكدر، وكثرت بالماء الخضر (4) ،
كالمهل تغلي في البطون أو أنها يوماً تعد لكافرٍ لم تحرم
فحسونا أولاً وثانياً، وكرعنا منها حميماً آنياً، وقلنا لعل ما يحضر من الملهيات يصلح فاسدها، وينفق كاسدها، ولم يكن بأسرع من أن افتتحت قينة يحرم لها السماع، وتستلذ الصمم الأسماع:
__________
(1) ص: وحربا.
(2) ص: ولقط على جدرانه.
(3) هو علي بن بسام البغدادي (302 أو 303) وقد مر ذكره في عدة مواطن من الذخيرة، انظر مصادر ترجمته في القسم الأول: 142 (الحاشية: 3) .
(4) الخضر: يريد ماء فيه طحلب، للمبالغة، وإلا فقد تقرأ " الخصر ".

الصفحة 651