كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 10 """"""
الجنة التي عملها نقارس ، فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فسمته فهلك وبقي مدة لا يعرف خبره . وكان من رسمه - إذا خلا بنسائه - لا يقربه أحد ، فلما تأخر خبره عن الناس هجم عليه فتىً من بني نقراوس يقال له لوخيم ومعه نفر من أهله ، فوجدوه ملقى في فراشه جيفة . فأمر أن توقد له ناراً فأحرقه فيها . وجمع النسوة اللواتي كن في الجنة ، فمن كانت من نسائه تركها ، ومن كانت من المغصوبات سرحها إلى أهلها ، ففرح الناس بذلك وبما نزل به .
وملك بعده لوخيم وجلس على سرير الملك ولبس تاج أبيه ، وأمر بجمع الناس وقام فيهم وتكلم وذكر ما كان عليه عرناق الأثيم من سوء السيرة واغتصاب النساء وسفك الدماء ، ورفض الهياكل والاستخفاف بالكهنة إلى أن هلك ، وأنه أحق بتراث أبيه وجده . وضمن للناس العدل والإحسان والقيام بأمرهم ودفع كل أذى عنهم . فرضى الناس به وأطاعوه وقالوا : أنت أحق بالملك ، ولازلت دائم السعادة طويل العمر قائماً بتجويد الهياكل وتعظيمها . فركب إلى هيكل الشمس فقرب له بقراً كثيراً ، وسار في الناس بالعدل . قال : وكانت الغرانيق قد كثرت في زمن عرناق فأهلكت زروع الناس . فعمل لوخيم أربعة منارات من نحاس في أربعة جوانب أمسوس ، وجعل على كل منارة صورة غراب في فمه قد التوت عليه فلم يقربهم شيء من تلك الطيور ، فكانت كذلك حتى أزالها الطوفان .
قال : ومن ملوكهم خصليم وهو أول من عمل مقياساً لزيادة الماء ؛ وذلك أنه جمع أصحاب العلوم والهندسة فعملوا بيتاً من رخام على حافة النيل ، وجعل في وسطه بركة من نحاس صغيرة فيها ماء موزون ، وعلى حافتي البركة تمثال عقابين من نحاس ذكر وأنثى . فإذا كان في أول الشهر الذي يزيد فيه الماء فتح باب البيت وحضر الكهان وأمناء الملك وتكلموا بكلام لهم حتى يصفر أحد العقابين ، فإن صفر الذكر كان الماء زائداً ، وإن صفرت الأنثى كان الماء ناقصاً ، ثم يعتبرون الماء فكل إصبع يكون في تلك البركة فهو ذراع من زيادة النيل ، وكل إصبع ينقص فهو نقصان ذراع . فإذا علموا ذلك حفروا الترع وأصلحوا الجسور . وعمل على النيل القنطرة التي هي ببلاد النوبة . وكان له ابن سماه هرصال ، أي خادم الزهرة ، لرؤيا كانت رأتها أخت

الصفحة 10