كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 12 """"""
يعلمون بأمره . فلما رأى إخوته طول غيبته جمعوا جموعاً كثيرة وقدموا على أنفسهم أحدهم وهو شمرود الجبار وساروا إلى أمسوس . وبلغ ذلك امرأة ندسان الساحرة فأمرت الوزير بالخروج إليهم ومحاربتهم ، ففعل ذلك ولقيهم فمزقوه وقتلوا كثيراً ممن كان معه ، ودخلوا مدينة أمسوس ، وأتوا دار المملكة فلم يروا ندسان وأيقنوا بهلاكه .
وملك شمرود بن هرصال فسر الناس به ، ووعدهم بحسن السيرة فيهم وتغيير ما كانوا ينكرونه على أخيه . واستولى على كنوزه وخزائنه ففرقها على إخوته ، وأقطعهم جميع ما كان في يد ندسان . وطلب امرأته الساحرة وابنها ليقتلهما ، فانتقلت إلى مدينة أهلها من الصعيد ، وكانوا كلهم كهاناً سحرة ، فامتنعت بهم ، وأرسلت إلى الناس وعرفتهم أن ابنها الملك في وقته ؛ لأن أباه قلده الملك وأمرها أن تدبر أمره حتى يكبر ، فصدقوها وأجابوها وقالوا : إن الغلام مغصوب على ملك أبيه ، وإن شمرود متغلب . فاجتمع في ناحيتها جماعة من أهل البلد وزحف ابن الساحرة وقد عمل له السحرة أصنافاً من التخاييل الهائلة والنيران المحرقة ، فقامت الحرب بينهم أياماً ، فانهزم شمرود وإخوته وتعلقوا ببعض الجبال .
وملك توميدون بن ندسان وهو ابن الساحرة . ودخل دار الملك وجلس على السرير ولبس التاج الذي كان لأبيه وأطاف به بطانة أبيه ، وهو يومئذ حدث السن ، وكانت أمه تدبر أمره ، فقتل كل من كان مع شمرود . وطلب شمرود حتى ظفر به ، واجتمع الناس لينظروا ما يصنع به ، فشد رأسه برأس أسطوانة قائمة ، ورجلاه برأس أسطوانة أخرى . وكان طوله فيما يذكر القبط عشرين ذراعاً ، ووكلت الساحرة به حرساً لتقتله يوم عيدها ، وكان قريباً ، فصاح بالليل صيحة مات منها بعض الحرس وهرب الباقون ، فلما اتصل بها ذلك أوقدت ناراً وأمرت بإنزاله وجعلت تقطع منه عضواً عضواً وترميه في النار . قال : وخرج ابنها كاهناً منجماً ، وعملت له الشياطين قبة الزجاج الكبيرة الدائرة على دوران الفلك ، وصوروا عليها صور الكواكب ، وكانوا يعرفون الطالع منها وما يحدث بطلوعه بعد ستين سنة . ثم ماتت أمه الساحرة وأوصت أن يجعل جسدها تحت صنم القمر فإنه يخبرهم بالعجائب وما يسألون عنه ففعلوا ذلك وذل الناس لابنها وهابوه ، وكان يتصور لهم في صور كثيرة ، وملكهم مائة سنة وستين سنة . ولما حضره الموت أمرهم أن يعملوا له صنماً من زجاج على شقين ويطبق على جسده بعد أن يطلى بالأدوية الممسكة ويلحم ويقام في هيكل الأصنام ، ويجعل له عيد في السنة ويقترب له قربان ، وتدفن علومه وكنوزه تحته ، ففعلوا ذلك كله .

الصفحة 12