كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 13 """"""
ولما مات ملك بعده ابنه شرناق بن توميدون ، فعمل بسيرة أبيه وجدته ، واجتمع الناس عليه . وزحف رجل من بني صرابيس بن إرم من ناحية العراق ، فتغلب على الشام ، وأراد أن يزحف إلى مصر ، فعرف أنه لا يصل إليها لسحر أهلها ، فأراد أن يدخلها متنكراً ليقف على أحوالها ، فخرج في نفر حتى بلغ الحصن الذي كانوا بنوه على مصر . فسألهم الحرس الموكلون به عن أمرهم ، فعرفوهم أنهم قصدوا بلدهم ليسكنوه ، فحبسوهم وطالعوا الملك بخبرهم . وكان الملك قد رأى في منامه كأنه قائم على منار لهم عال ، وكأن طائراً عظيماً انقض عليه ليختطفه ، فحاد عنه حتى كاد يسقط عن المنارة فجاوزه ولم يضره ، فانتبه مرعوباً ، وبعث إلى رأس الكهنة فقص عليه رؤياه ، فعرفه أن ملكاً يطلب ملكه فلا يصل إليه . فنظر في علمه فرأى أنه قد دخل بلده . فلما وردت الرسل بذكر القوم علم أن الملك فيهم ؛ فوجه جماعة من أصحابه فاستوثقوا منهم وحملوهم إليه ، وقد كان أمرهم أن يطوفوا بهم في أعمال مصر كلها ليروا فيها من الطلسمات والأصنام المتحركات والعجائب المعجزات ، فبلغوا بهم إلى الاسكندرية ، ثم ساروا بهم إلى أمسوس وطيف على عجائبها . ثم سير بهم إلى الجنة التي عملها مصرام ، وكان الملك مقيماً بها وأمر السحرة بإظهار التهاويل والتخابيل ، فجعلوا يتعجبون مما رأوا إلى أن وصلوا إلى شرناق الملك والكهنة حوله وقد أظهروا صنوف العجائب ، وجعلوا بين يدي الملك ناراً عظيمة لا يصل إليه إلا من خاضها ولا تضر إلا من أضمر للملك غائلة ، وأمر بدخولها ، فشقوها واحداً واحداً لم ينلهم منها أذى ، وكان الملك آخرهم ، فلما دنا من النار أخذته فولى هارباً . فأتى به شرناق فسأله عن أمره فأقر ، فأمر بقتله على أسطوانة عند باب الحصن من ناحية الشام ، فقتل وزبر عليه : هذا فلان المتغلب على الشام أضمر غائلة الملك ، طلب ما لا يصل إليه فعوقب بهذا . وأمر بإخراج الباقين من بلاده

الصفحة 13