كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 15 """"""
وتوليد غرائب الأشجار . وأقام على أعالي الجبال سحرة يقسمون الرياح ويمنعون من يقصدهم ويقصد بلادهم بأذى ، وكذلك كل مفسد من طائر وسبع ووحش وهوام ، وأجرى أمر البلاد والناس على سداد ، وجعل في كل صنف من الناس صنفاً من الكهنة يعلمونهم الدين ، ودينهم يومئذ الصابئة الأولى . ويرفع كل صنف منهم ما يجري من أمر ما يتولونه إلى الملك في كل يوم . وعمل البيت ذا القباب النورية الثلاث ، وأوقد فيه النار الدائمة تعظيماً للنور . والقبط تزعم أنه أول من وضع بيتاً لتعظيم النار .
وقيل : إن جم الفارسي إنما بنى بيت النار - وهو أول من عمل ذلك للفرس - اقتداء بسهلوق مصر . وكان السبب في عمل سهلوق بيت النار أنه رأى أباه في نومه يقول له : انطلق إلى جبل كذا من جبال مصر فإن فيه كوة من صفتها كذا وكذا ، وإنك واجد على باب الكوة أفعى لها رأسان ، وإنها إذا رأتك كشت في وجهك ، فليكن معك طيران صغيران ، فإذا رأيت الأفعى فاذبحهما لها وألقهما إليها ، فإنه يأخذ كل رأس من رأسيها أحد الطيرين وتتنحى إلى سرب قريب من الكوة فتدخله ، فإذا غابت عنك فادخل الكوة فإنك تنتهي إلى آخرها إلى صورة امرأة جميلة الخلق ، وهي من نور حار يابس ، وسوف يقع عليك وهجها وتحس بحرارة شديدة ، فلا تقرب منها فتحترق ، وقف وسلم عليها فإنها تخاطبك فاسكن إلى خطابها ، وانظر ما تقوله لك فاعمل به ، فإنك تشرف بذلك . وهي حافظة كنوز جدك مصرام التي رفعها إلى مدائن العجائب المعلقة وهي تدلك عليها . وتنال مع ذلك شرفاً في بلدك وطاعة في قومك ، ثم مضى وتركه .
فلما انتبه سهلوق جعل يفكر فيما رأى ويتعجب منه ، ورأى أن ينفذ ما أخبره به أبوه ، فمضى إلى الجبل وحمل الطيرين معه وفعل جميع ما أمره أبوه إلى أن وقف حذاء المرأة وسلم عليها ، فقالت له : أتعرفني ؟ قال : لا ، لأني ما رأيتك قبل وقتي هذا . قالت : أنا صورة النار المعبودة في الأمم الخالية ، وقد أردت أن تحيي ذكرى وتتخذ لي بيتاً وتوقد فيه ناراً دائمة بقدر واحد ، وتتخذ لها عيداً في كل سنة تحضره أنت وقومك فإنك تتخذ بذلك عندي يداً وتنال به شرفاً وملكاً إلى ملكك ، وأمنع عنك وعن بلدك من يطلبك ويعمل الحيلة عليك ، وأدلك

الصفحة 15