كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
وما عمل من العجائب في مصحف . وعمل عقاقير كثيرة وتماثيل ومحركات وصنعة ، وأمر أن يحمل ذلك كله إلى ناووس عمله لنفسه في الجبل الغربي ونقل إليه حكمه . وهلك بعد أن ملك تسعاً وستين سنة وحمل إلى ناووسه ، وأقام أهل المملكة ووجوه المدينة ونساؤهم عند ناووسه شهراً يبكون عليه ويتوجعون عنده ، واغتموا عليه غماً لم يغتموه على ملك قبله ، وأقاموا لناووسه سدنة يخدمونه .
وملك بعده ابنه سوريد بن سهلوق ؛ وكان أبوه قد قلده الملك قبل مهلكه ، فملك واقتفى سيرة أبيه في العمارة ومصالح البلد والإنصاف بين الناس والأخذ لهم من نفسه وأهل بيته ، وعمل الهياكل وبنى المنارات ، ونصب الأعلام والطلسمات فأحبه الناس .
وبنى بالصعيد ثلاث مدائن وعمل فيها عجائب كثيرة . وهو أول من جبى الخراج بمصر ، وألزم أهل الصناعات على أقدارهم ، وأول من أمر بالإنفاق على الزمني والموضى من خزائنه . وعمل مرآة من أخلاط كان ينظر منها جميع الأقاليم ما اخصب منها وما أجدب وما حدث فيها ، وكانت المرآة على منارة من النحاس وسط مدينة أمسوس ، وكان يعلم من المرآة من يقصد مدينته من جميع النواحي فيتأهب له . وهو أول من عمل صحيفة في كل يوم يكتب فيها جميع ما يكون في يومه وما يعمله ويرفع إليه ، ثم يخلد في خزانته يوماً بيوم . وإذا مضى الشهر نقلت إلى مصحف الملك وختمه بخاتمه ، وما صلح أن يزبر على الحجارة زبره : وكذلك ما عمل من الصنائع وما احدث منها . وكان يعطي الرغائب على الصناعات العجيبة والحكم الغريبة . وعمل في المدائن صورة امرأة جالسة في حجرها صورة صبي كأنها ترضعه ، فمن أصابتها على بجسمها مسحت ذلك الموضع من جسد تلك الصورة فيزول عنها ما تجد ، وكذلك إن قل لبنها مسحت ثديها ، وإن أحبت أن يعطف عليها زوجها مسحت وجهها بدهن طيب وقالت افعلي كذا وكذا ، وإن قلت حيضتها مسحت فوق ركبها ، وإن كثر دمها ونزفت مسحت تحت ركبها ، وإن أصاب ولدها شيء فعلت مثل ذلك بالصبي فيبرأ ، وإن عزت ولادتها ومسحت رأس الصبي سهلت ويسهل افتضاضها ، وإذا بخرته ومسحته بدهن طيب منع جميع التوابع . وإذا

الصفحة 18