كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
لعظم أخطارهم ، وكبر أقدارهم . وأنا أخبر الملك عن رؤيا رأيتها منذ سنة لم أذكرها لأحد من الناس . فقال له الملك : قصها علينا . قال : رأيت كأني مع الملك على راس المنار الذي في أمسوس ، وكأن الفلك قد انحط من موضعه حتى قارب سمت رءوسنا ، وكان علينا كالقبة المحيطة بنا ، وكأن الملك قد رفع يديه نحو السماء وكواكبها قد خالطتنا في صور مختلفة ، وكأن الناس يستغيثون بالملك وقد انضموا إلى قصره ، وكأن الملك رافع يديه ليدفع الفلك أن يبلغ رأسه ، وأمرني أن أفعل فعله ونحن على وجل شديد ، إذ رأينا منه نوراً مضيئاً طلعت علينا منه الشمس ، فكأنا استغثنا بها ، فخاطبتنا بان الفلك سيعود إلى موضعه إذا مضت ثلاثمائة دورة ، وكأن الفلك لصق بالأرض ثم عاد إلى موضعه ، ثم انتبهت فزعاً . فعند ذلك قال لهم الملك : خذوا ارتفاع الكواكب فانظروا هل من حادثة تحدث . فنظروا فأخبروه بأمر الطوفان وبعده بذكر النار التي تخرج من برج الأسد تحرق العالم ، فذكروا له أن ذلك يكون في وقت عينوه له من مقارنات النجوم ونزولها في الأبراج على ما حرروه من الدقائق ، وشرحه إبراهيم في كتابه مما لا فائدة لنا في ذكره . قال : فلما تبين ذلك له أمر بقطع الأساطين العظام ونشر البلاط الكبير المصفح ، واستخراج الرصاص من أرض المغرب ، وإحضار الصخور السود التي جعلها أساساً من ناحية أسوان ، وكانت تحمل على أطواف . وقيل : كانت لهم فراقل من خوص لها عذب وعليها كتابة منقوشة ، فكانوا إذا ضربوا بها الحجارة عدت على وجه الأرض وحدها مقدار رمية سهم حتى وضعت الأساسات .
وأمر أن يزبر على البلاط المنشور المهندم جميع علومهم . ثم بنى الأهرام الثلاثة الأول : الشرقي والغربي ، والملون ، فكانوا يجعلون في وسط البلاطة قلب حديد قائماً ويركبون عليه بلاطة أخرى مثقوبة الوسط ، ثم يدخل ذلك القلب الحديد في ثقب البلاطة التي تطبق عليه ، ويذاب الرصاص ويصب

الصفحة 20