كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 23 """"""
ذلك . فقال : لا بد من فتح شيء منه . فعولجت الثلمة المفتوحة منه فأنفق عليها مالاً كثيراً لنار توقد وخل يرش ومنجنيقات ترمي بها ، فوجد عرض الحائط قريباً من عشرين ذراعاً . فلما انتهوا إلى داخل الهرم وجدوا خلف الحائط عند النقب مطهرة خضراء فيها ذهب مضروب دنانير ، وزن كل دينار أوقية من أواقينا ، وكان عددها ألف دينار ، فعجبوا من ذلك ولم يعرفوا ما معناه ، ثم أتى المأمون بالذهب والمطهرة فجعل يتعجب من الذهب وحسنه وجودته وحمرته ، فقال : ارفعوا لي حساب ما أنفقتموه على هذه الثلمة ففعلوا ، فوجده بإزاء المال الذي أصابوه لا يزيد ولاينقص . فعجب المأمون من معرفتهم على طول المدد بأنهم سيفتحونه من ذلك الموضع بعينه ، ومعرفتهم بمقدار ما ينفق عليه وتركهم مقداره في موضعه ، فقال : كان هؤلاء القوم من العلوم بمنزلة لا ندركها نحن ولا أمثالنا . وقيل : إن المطهرة التي وجد فيها الذهب كانت من زبرجد ، فأمر المأمون بحملها إلى خزانته ، وكانت أحد ما حمل من عجائب مصر .
ومن عجائب أخبارها أن المأمون لما فتح الهرم أقام الناس سنين يقصدونه ويدخلون فيه وينزلون الزلاقة التي فيه ، فمنهم من يسلم ومنهم من يهلك .
وأن جماعة من الأحداث اهتموا ، وكانوا عشرين رجلاً ، على أن يدخلوا الهرم ولا يبرحوا منه حتى يقفوا على منتهى أمره ، فاخذوا معهم من الطعام والشراب ما يكفيهم لشهرين ، وأخذوا السكك والحبال والشمع والوقيد والفئوس والقفاف ودخلوا الهرم ، ونزل أكثرهم في الزلاقة الأولى والثانية ، ومضوا في أرض الهرم فرأوا فيه

الصفحة 23