كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 25 """"""
مسدوداً فيه دوي هائل وزمزمة فلم يتعرضوا له ، ومضوا فوجدوا كالمجلس المربع فيه صورة ديك من جواهر معمولة ، قائم على أسطوانة خضراء ، وله عينان يسرج منهما المجلس ، فلما قربوا منه صوت بصوت مفزع وخفق بجناحيه ، فتركوه ومضوا حتى بلغوا صنماً من حجر أبيض في صورة امرأة منكسة على رأسها ومن جانبيها أسدان من حجارة كأنهما يريدان نهسها ، فجعلوا يتعوذون ويقرءون إلى أن جاوزوها . قال : وقيل إنهم مشوا حتى لاح لهم نور فاتبعوه فإذا بفوهة مفتوحة فخرجوا منها فإذا هم في صحراء ، وإذا على باب تلك الفوهة تمثالان من حجر أسود معهما كالمزراقين فعجبوا من ذلك . ووجدوا أجرنه منقورة وأسطوانات مخروطة ، فساروا منها بعدا فانتهوا إلى ماء وجدوه في نقار حذاء تلك الفوهة ، واخذوا نحو المشرق فساروا يوماً حتى وصلوا الأهرام من خارج فأخبروا والي مصر بخبرهم ، فوجه معهم من يدخل من تلك الفوهة ، فطافوا فلم يجدوها وأشكل عليهم أمرها . ووجد الآخذ للحجر الحجر جوهراً نفيساً فباعه بمال .
قال : وحكى أن قوماً في زمن أحمد بن طولون دخلوا الهرم فوجدوا في طاق في أحد بيوته أستاندانة زجاجاً ثخينة فأخذوها وخرجوا ، ففقدوا رجلاً منهم فدخلوا في طلبه ، إذ خرج عليهم الرجل عرياناً يضحك ويقول : لا تتعبوا في طلبي ، ورجع هارباً إلى أن دخل ، فعلموا أن الجن استهوته وشاع أمرهم ، فاخذوا الاستاندانة منهم ومنع الناس من الدخول إلى الهرم ، ووزنت الأستاندانة فكانت أربعة أرطال زجاجاً أبيض صافياً ، فانتبه رجل من أهل المعرفة لها وقال : لم تعمل إلا لشيء ، وملأها ماء ووزنها فوجد وزنها وهي ملأى مثل وزنها فارغة لا تزيد ولا تنقص فكانت أعجوبة .
وحكى أن قوماً دخلوا الهرم ومعهم من يريدون يعبثون به ، فلما هموا بذلك خرج عليهم غلام أسود أمرد في يده عصا فأخذ في ضربهم ، فخرجوا هاربين وتركوا ما كان معهم من طعام وشراب وبعض ثيابهم .

الصفحة 25