كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 276 """"""
يوم الهباءة لعبس على ذبيان
قال : ثم اجتمعوا فالتقوا في يوم قائظ إلى جنب جفر الهباءة واقتتلوا من أول النهار إلى أن انتصف ، وحجز الحر بينهم ، وكان حذيفة بن بدر يحرق فخذيه الركض ، فقال قيس بن زهير : يابني عبس ، إن حذيفة غداً إذا احتدمت الوديقة مستنقع في جفر الهباءة فعليكم بها ، فخرجوا حتى وقعوا على أثر صارف : فرس حذيفة ، والحيفاء : فرس حمل بن بدر ، فقفوا أثرهما حتى توافوا مع الظهيرة على الهباءة ، فبصر بهم حمل بن بدر فقال : هذا قيس بن زهير قد أتاكم ، فوقف قيس وأصحابه على جفر الهباءة وهو يقول : لبيكم لبيكم يعني أجابه الصبية الذين كانوا ينادونهم إذ يقتلونّ وفي الجفر حذيفة وحمل وبدر ومالك بنو بدر ، وورقاء بن بلال من بني ثعلبة بن سعد . وحنش بن عمرو ، فوقف عليهم شداد بن معاوية العبسي ، فحال بينهم وبين حيلهم ، ثم توافت فرسان بني عبس فقال حمل : ناشدتك بالرحم يا قيس ، فقال : لبيكم لبيكم فعرف حذيفة أنه لن يدعهم فانتهر حملاً فقال : إياك والمأثور من الكلام ، فذهبت مثلاً ، وقال لقيس : لئن قتلتني لا تصلح غطفان بعدها أبداً فقال : أبعدها الله ولا أصلحها ، وجاءه قرواش بمعبلة فقضم صلبه ، وقتل الربيع بن زياد حمل بن بدر ، فقال قيس بن زهير يرثيه :
تعلم أن خير الناس ميت . . . على جفر الهباءة ما يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكي . . . عليه الدهر ما بدت النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدر . . . بغي والبغي مرتعه وخيم
أظن الحلم دل على قومي . . . وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارست الرجال وما رسوني . . . فمعوج وآخر مستقيم
ومثلوا بحذيفة بن بدر كما مثل بالغلمة ، فقطعوا مذاكيره وجعلوها في فيه وجعلوا لسانه في استه ، ففي ذلك يقول قائلهم :
فإن قتيلاً بالهباءة في استه . . . صحيفته إن عاد للظلم ظالم
متى تقراوها من ضلالكم . . . وتعرف إذا ما فض عنها الخواتم

الصفحة 276