كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
عنده أعلاماً وزبر عليها اسمه وما عمله في وقته . وملك منقاوش ثلاثاً وسبعين سنة ومات ، فجعل في الهرم مع أجداده في حوض مرمر مصفح بالذهب والجوهر ، وحمل معه كثير من ذخائره وأمواله وسلاحه وعجائبه .
وملك بعد ابنه أقروش بن منقاوش ، وكان عاقلاً فخالف آثار أبيه وعدل في الناس ورد النساء اللاتي غصبهن منقاوش إلى أهلهن . وعمل في وقته فوارة قطرها مائة ذراع وطولها خمسون ذراعاً ، وركب في جميع جوانبها أطياراً تصفر بأصناف اللغات المطربة لا تفتر . وعمل في وسط المدينة منارتين من صفر عليهما صورة رأس إنسان من صفر كلما مضت ساعة من النهار صاح ذلك الرأس صياحاً عالياً ، وكذلك الليل ، فيعلم به دخول الساعات ، وجعل فيه علامة لكل ساعة تمضي تعرف بها عدتها . وعمل مناراً آخر وجعل على رأسه قبة صفر مذهب ولطخها بلطوخات ، فإذا غربت الشمس اشتعلت تلك القبة ناراً يضيء بها أكثر المدينة لا تطفئها الأمطار ولا الرياح ، فإذا كان النهار قل ضوءها بضوء الشمس . ويقال : إنه أهدى الدرمسيل بن محويل الملك ببابل مائدة من الزبرجد قطرها خمسة أشبار ، وكان استهداه ذلك ليجعلها في بيت القربان . ويقال إنها وجدت بعد الطوفان . ويقال أيضاً : إنه عمل على الجبل الشرقي صنماً عظيماً قائماً على قاعدة وهو مصبوغ بلطوخ أصفر مصور بالذهب ووجهه إلى الشمس يدور معها حتى تغرب ، ثم يدور ليلاً إلى الناحية الجنوبية حتى يحاذي الشمس مع الصبح ، فلم يزل إلى أن سقط في أيام فرغان الملك فتهشم . وكان نصبه تعظيماً للشمس . ويقال : إن أقروش كان يطلب الولد فنكح ثلاثمائة امرأة يبتغي الولد منهن فلم يكن ذلك . وقيل : إن في عصره عقمت الأرحام لما أراد الله عز وجل من هلاك العالم بالطوفان ، وعقمت أرحام البهائم ووقع الموت فيها .
وقيل إن الأسد كثرت في وقته حتى كانت تتخلل البيوت ، فاحتالوا لها بالطلسمات المانعة والحيل المضرة لها ، فكانت تغيب وقتاً وتعود ، فرفعوا ذلك إلى الملك فقال : هذه علامة مكروهة ، وأمر أن تعمل أخاديد وتملا ناراً واجتروا إليها

الصفحة 29