كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 30 """"""
الأسد بالدخن التي تجلب روحانيتها وألقوها على تلك النيران ، فاجتلبتها تلك الدخن فتهافتت في تلك النيران فاحترقت . وبنى في وقته مدائن في ناحية الغرب تلفت بالطوفان مع أكثر مدنهم .
قال : وارتفعت الأمطار عنهم وقل الماء في النيل فأجدبوا ، وهلك الزرع بالنار والريح الحارة وغيرها ، فأضر ذلك بهم ، فاحتالوا لدفع النار بطلسماتهم فكانت تذهب وتعود . وقيل : إن الذي فعل بهم ذلك ساحر من سحرتهم كان منقاوش غضبه امرأته فكان يعمل الحيلة قللاً قليلاً في إفساد طلسماتهم ؛ لان لكل طلسم شيء تبطل به روحانيته . وبهذه العلة دخل بختنصر الفارسي مصر وقد كانت ممتنعة من جميع الملوك . فلما أفسد ذلك الساحر الطلسمات ، سلط عليهم تلك الآفات وأفسد طلسمات التماسيح فهاجت عليهم ومنعتهم الماء وعذبهم عذاباً كبيراً إلى أن فطنوا من قبل تلاميذه ؛ وذلك أن أحدهم لامه على فعله فانتهره ونفخ في وجهه فأظلم عليه بصره ، فجاء إلى وزير الملك وعرفه القصة فأنهاها إلى الملك ، فأمر الملك بإدخاله عليه فأدخل ، فسأله عن الخبر فعرفه بفعل الساحر ، فأنفذ إليه جيشاً ليأتوه به ، فلما نظر الساحر إلى القوم وقد أقبلوا دخن دخنة أغشت أبصارهم وارتفعت منها عجاجة نار أحرقت وحالت بينه وبينهم ، فهالهم ذلك ، فرجعوا إلى الملك وعرفوه ما جرى فأمر بجمع السحرة ، وكان من رسم السحرة أن يعاهدوا ملوكهم على أن يكونوا معهم ولا يخالفونهم ولا ينالهم منهم مكروه ولا يبغونهم الغوائل ، فمن فعل ذلك سلب علمه ، وكان للملك أن يسفك دمه ودم أهل بيته وولده ، وكانوا مع الملوك على هذه الحال يوفون بعهودهم . فلما اجتمع السحرة عند الملك أخبرهم خبر الساحر ، وكان يقال له : أختاليس ، وبما عمله وقال : تحضرونه إلي وإلا أهلكتكم ؛ فسألوه النظرة فأنظرهم ، فاخذوا أولادهم ونساءهم وخرجوا هاربين ، فلما خرجوا عنه تكلموا بينهم وقالوا : إنكم لتعرفون كثرة علم أختاليس وشدة سحره ، وما نرى لنا به طاقة ، ومنقاوش الملك الذي نقض عهده وتعدى عليه وأخذ امرأته غصباً ، فاحتالوا لخلاصكم منه ؛ فأجمعوا أنهم يصدقون الملك عن أنفسهم ، ويستأذنونه في الذهاب إليه ومداراته حتى يأتوه به بعد أن يأخذوا له أماناً منه ويجدد العهد بينه وبينه .
فمضوا إلى الملك وصدقوه عن أنفسهم ، فأجابهم إلى ما سألوه من ذلك ، ثم مضوا إلى أختاليس فلطفوا به ووعظوه إلى أن أجابهم إلى ما أرادوا ، فكتبوا إلى الملك بذلك ،

الصفحة 30