كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 305 """"""
قال : فلما قتل كليب ارتحلت بنو شيبان حتى نزلوا بماء يقال له النهي ، وتشمر المهلهل أخو كليب - واسمه عدي بن ربيعة ، وإنما قيل له المهلهل لأنه أول من هلهل الشعر ، أي أرقه - فاستعد المهلهل لحرب بكر ، وترك النساء والغزل ، وحرم القمار والشراب ، وجمع إليه قومه ، فأرسل رجالاً منهم إلى بني شيبان يعذر إليهم فيما وقع من الأمر ، فأتوا مرة بن ذهل بن شيبان وهو في نادي قومه ، فقالوا له : إنكم أتيتم عظيماً بقتلكم كليباً بناب من الإبل ، فقطعتم الرحم ، وانتهكتم الحرمة ، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم ، ونحن نعرض عليكم حلالاً أربعاً ، لكم فيها مخرج ولنا مقنع ، قال مرة : ما هي ؟ قالوا : تحيي لنا كليباً أو تدفع لنا جساساً قاتله فنقتله به ، أو هماماً فإنه كفء له ، أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء من دمه ، فقال : أما إحيائي كليباً فهذا ما لا يكون . وأما جساس فإنه غلام طعن طعنةً على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد احتوت عليه . وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة ، كلهم فرسان قومهم فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم يقتل بجريرة غيره ، وأما أنا فما هو إلا أن تجول الخيل جولة غداً فأكون أول قتيل بينهما ، فما أتعجل من الموت ، ولكن لكم عندي خصلتان : أما إحداهما فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق أيهم شئتم تسعة فانطلقوا به إلى رجالكم فاذبحوه ذبح الجزور وإلا فألف ناقة سوداء المقل أقيم لكم بها كفيلاً من بكر بن وائل ، فغضب القوم وقالوا : لقد أسأت ، تبذل لنا صغار ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب .
ووقعت الحرب بينهم ، ولحقت جليلة زوجة كليب بأبيها وقومها ، واعتزلت قبائل بكر بن وائل ، وكرهوا مجامعة بني شيبان ومساعدتهم على قتال إخوتهم ، وأعظموا قتل جساس كليباً بناب من الإبل ، فظعنت لجيم عنهم ، وكفت يشكر عن نصرتهم ، وانقبض الحارث بن عباد في أهل بيته ، وهو أبو بجير وفارس النعامة . وقال المهلهل يرثي كليباً من أبيات :
بات ليلي بالأنعمين طويلاً . . . أرقب النجم ساهراً أن يزولا كيف اهدي ولا يزال قتيل . . . من بني وائل ينسى قتيلا
في قصيدة طويلة .

الصفحة 305