كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 309 """"""
لتمتازوا بذلك ، فعلوا ، فسمى به ، فقال جحدر بن ضبيعة - وكان من شجعانهم - : اتركوا لمتي وأقتل لكم أول فارس يقدمهم ، فتركوه ، وهو الذي قتل عمراً وعامراً التغلبيان ، كعن أحدهما بسنان رمحه ، والآخر بزجه ، ثم صرع بعد ذلك ، فلما رأته نساء بكر دون حلق ظنوه من تغلب فأجهزوا عليه .
وفي هذا اليوم أسر الحارث بن عباد المهلهل عدي بن ربيعة وهو لا يعرفه فقال له : دلني على عدي وأخلي عنك ، فقال له عدي : عليك العهد بذلك إن دللتك عليه ، قال نعم ، قال فأنا عدي ، فجز ناصيته وتركه وقال فيه :
لهف نفسي على عدي ولم أع . . . رف عدياً إذ أمكنتني اليدان
وكان الحارث آلى ألا يصالح نغلباً حتى تكلمه الأرض ، فلما كثرت وقائعه في تغلب ورأت أنها ما تقوم له حفروا سرباً تحت الأرض وأدخلوا فيه رجلاً وقالوا له : إذا مر بك الحارث فغن بهذا البيت :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا . . . حنانيك بعض الشر أهون من بعض
فلما مر الحارث اندفع الرجل وغنى بالبيت ، فقيل للحارث قد بر بقسمك فابق بقية قومك ، فأمسك ، فاصطلحت بكر وتغلب .
ثم إن المهلهل فر بنفسه فنزل بمذحج في بني جنب ، فخطبوا إليه ابنته ، وقيل أخته ، فمنعهم ، فاجبروه على تزويجها وساقوا إليه جلوداً من أدم ، فقال في ذلك :
أعزز على تغلب بما لقيت . . . أخت بني الأكرمين من جشم
أنكحها فقدها الأراقم في . . . جنب وكان الخباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها . . . ضرج ما أنف خاطب بدم
ليسوا بأكفائنا الكرام ولا . . . يغنون في ذلة ولا عدم
ثم اشترى المهلهل عبدين يغزوان معه ، فغزا بهما حتى طال عليهما ذلك ، فاختارا الراحة منه ، فاجمعا على قتله بموضع قفر ، فلما شعر بما هما به ولم ير لنفسه ملجأ قال لهما : أبلغا عني هذه المراسلة ، فقالا هات ، فقال :
من مبلغ عني بأن مهلهلاً . . . لله دركما ودر أبيكما

الصفحة 309