كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 31 """"""
فكتب للساحر أماناً وعهداً ، فرجع وردت إليه امرأته ، فأكرمها وردها إلى دار الملك ، وعرفهم أنه لا يرى في ذمته أن يلابس امرأة لابسها الملك على حال من الأحوال لما كانوا يراعونه من حقوق الملك ، فسر الناس بذلك وعجبوا من عقله وحكمته ، وصلح أمر الناس ، وعمل أختاليس طلسمات وعجائب كثيرة . قال : وملكهم أقروش أربعاً وستين سنة ، وهلك وليس له ولد ولا أخ ، فدفن في الهرم وجعلت معه أمواله وذخائره وجواهره والصنائع التي عملت في وقته ، واجتمع الناس على تمليك رجل من أهل بيت الملك . فملكوا عليهم أرمالينوس ، فلما ملك أمر بجمع الناس وقال : أرى الأمم الغربية قد تطرقت إليكم في نواحيكم ، ويوشك أن تسير إليكم ، وأنا مانع لبلادكم ودمائكم منهم بغزوهم والخروج إليهم وتحويلكم إياهم ، وأحتاج إلى معونة من حكمائكم بالأعمال الهائلة والتخابيل العجيبة ، فشكروه ودعوا له بالتوفيق . وقالت الحكماء : نحن نخرج مع الملك إذا خرج ونبلغ له مجابه أو يقيم ونحن نخرج مع الجيش مكانه ونبذل أنفسنا دونه . فامتنع من ذلك وخرج في جيش عظيم وحارب تلك الأمم ونكأ فيها أعظم نكاية ، ورجع غانماً وخلف في وجوههم جيشاً ، فاجتمعت تلك الأمم فهزمت جيشه ورجع أصحابه مغلوبين فعظم ذلك عليه . وكانت أصابته علة من تغير الهواء فأنفذ ابن عم له يقال له فرعان بن مسور ، وكان أحد الجبابرة الذين لا يطاقون ، وهو أول فرعون تسمى بهذا الاسم ومن سمى بعده سمي تشبيهاً به ؛ فأنفذه الملك أرمالينوس في جيش عظيم فأجلى تلك الأمم ونفاها إلى أطراف البحر ، وعاد ومعه خلق كثير من الأسرى والرءوس ، فأمر الملك بنصب تلك الرءوس حول مدينته وقتل جميع الأسرى . وكان منهم كاهن فأمر الملك أن يوشر بمنشار ، وهو أول من فعل ذلك ، فأعلم الملك فرعان وألبسه خلعاً منظومة بالجوهر ، وأمر بأن يطاف به ويذكر فضله ، وأمر له ببعض قصوره .
واتفق أن امرأة من نساء الملك عشقته وراسلته فامتنع فرغان من ذلك وفاءً للملك ، ولأن التحظي إلى نساء الملوك كان من الأمور العظيمة عندهم . فلما طال ذلك عليها أحضرت ساحره ولاطفتها وذكرت لها حالها ووجدها بفرعان ، فضمنت لها بلوغ مآربها منه وسحرته لها ، فاهتاج إليها وندم على ردها وجعل يدس إليها إلى أن اجتمعت معه ، وتمكن حب كل واحد منهما من صاحبه ، إلى أن ذاكرته أمر الملك

الصفحة 31