كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 312 """"""
حتى نزلوا الكلاب ، وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم ، وأعلاه مما يلي اليمن ، وأسفله مما يلي العراق . فنزلت سعد والرباب بأعلى الوادي ، ونزلت حنظلة بأسفله .
قال : وكانوا لا يخافون أن يغزوا في القيظ ، لبعد تلك الصحارى وشدة الحر بها وقلة المياه ، فأقاموا بقية القيظ لا يعلم أحد بمكانهم ، حتى إذا تهور القيظ بعث الله ذا العيينتين ، وهو من أهل مدينة هجر ، فمر بقدة وصحاريها ، فرأى ما بها من النعم ، فانطلق حتى أتى أهل هجر فقال : هل لكم في جارية عذراء ، ومهرة شوهاء ، وبكرة حمراء ، ليس دونها نكبة ؟ قالوا : ومن لنا بذلك ؟ قال : تلكم تميم ألقاء مطروحون بقدة . فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : اغتنموها من بني تميم .
فأخرجوا معهم أربعة أملاك بقال لهم اليزيدون : يزيد بن هوبر ، ويزيد بن عبد المدان ، ويزيد بن المأموم ، ويزيد بن المخرم ، وهم كلهم حارثيون ومعهم عبد يغوث الحارثي ، وكان كل واحد منهم على ألفين ، فمضوا حتى إذا كانوا ببلاد باهلة قال جرير بن جزء الباهلي لابنه : يا بني ، هل لك في أكرومة لا يصاب أبداً مثلها ؟ قال : وما ذلك ؟ قال : هذا الحي من تميم قد لجاوا ها هنا مخافة كسرى ، وقد قصصت أثر الجيش يريدونهم ، فأركب جملي الأرحبي ، وسرسيراً رويداً عقبة من الليل ، ثم حل عنه حبليه وأنحه وتوسد ذراعه ، فإذا سمعته قد أفاض يجرته وبال فاستنقعت ثفناته في بوله ، فشد حبليه ثم ضع السوط عليه ، فإنك لا تسال جملك شيئاً من السير إلا أعطاكه حتى تصبح القوم . ففعل ما أمره به . قال الباهلي : فحللت بالكلاب قبل الجيش فناديت : يا صباحاه فإنهم ليثبون إلي ليسألوني من أنت ؟ إذ أقبل رجل منهم من بني شقيق على مهر قد كان في النعم فنادى : يا صباحاه ، قد أتى على النعم ، ثم كر راجعاً نحو الجيش ، فلقيه عبد يغوث الحارثي وهو أول الرعيل ، فطعنه في رأس معدته فسبق اللبن الدم ، فقال عبد يغوث : أطيعوني وامضوا بالنعم وخلوا العجائز من تميم ساقطة أفواهها ، فقالوا : أما دون أن تنكح بناتهم فلا .
وقال ضمرة بن لبيد الحماسي ثم المذحجي الكاهن : أنظروا إذا سقتم النعم فإن أتتكم الخيل عصباً عصباً تنتظر العصبة أن تنتظم الأخرى حتى تلتحق بها فإن أمر القوم هين ، وإن لحق بكم القوم ولم ينتظر بعضهم بعضاً حتى يردوا وجوه النعم فإن أمرهم شديد .

الصفحة 312