كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 314 """"""
قال أبوعبيدة : انتهى عصمة بن أبير إلى مصاد فوجده صريعاً ، وكان قبل ذلك رأى عبد يغوث أسيراً في يديه ، فعلم أنه الذي أجهز عليه فاقتص أثره فلحقه وقال : ويحك إني رجل أحب اللين ، وأنا خير لك من الفلاة والعطش . قال : ومن أنت ؟ قال : عصمة بن أبير ، فانطلق به عصمة حتى جثاه عند الأهتم على أن جعل له من فدائه جعلا ، فتركه الأهتم عند امرأته العبشمية ، فأعجبها جماله وكمال خلقته ، وكان عصمة الذي أسره غلاماً نحيفاً ، فقالت له : من أنت ؟ قال : أنا سيد القوم ، فضحكت وقالت : قبحك الله سيد قوم حين أسرك مثل هذا ، ففي ذلك يقول عبد يغوث :
وتضحك مني شيخة عبشمية . . . كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا
فاجتمعت الرباب إلىالاهتم وقالت : ثأرنا عندك ، وقد قتل مصاد والنعمان فأخرجه إلينا ، فأبى الأهتم أن يخرجه إليهم ، فكاد أن يكون بين الحيين : الرباب وسعد ، فتنة حتى أقبل قيس بن عاصم المنقري فقال : أيؤتى قطع حلف الرباب من قبلنا ؟ فضرب فاه بقوس فهتمه ، فسمى الأهتم ، فقال الأهتم : إنما دفعه إلى عصمة ابن أبير ، ولا أدفعه إلا لمن دفعه إلي ، فليجئ فيأخذه ، فأتوا عصمة فقالوا : يا عصمة ، قتل سيدنا النعمان وفارسنا مصاد ، وثأرنا أسيرك ، فما كان ينبغي لك أن تستحييه فقال : إني ممعل وقد أصبت الغني ، ولا تطيب نفسي على أسيري ، فاشتراه بنو جساس بمائة بعير ، فدفعه إليهم ، فخشوا أن يهجرهم ، فشدوا على لسانه تسعة ، فقال : إنكم قاتلي لا محالة ، فدعوني أذم أصحابي وأنوح على نفسي فقالوا : إنك شاعر ونخاف أن تهجونا ، فعقد لهم ألا يفعل ، فأطلقوا لسانه ، فقال قصيدته التي أولها :
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا . . . فما لكما في اللوم خير ولا ليا
ومنها : أقول وقد شدوا لساني بنسعة . . . أمعشر تيم أطلقوا لي لسانيا
أمعشر تيم قد ملكتم فأسجعوا . . . فإن أسارى لم يكن من توانيا
وقد علمت عرسي مليكه أنني . . . أنا الليث معديا عليه وعاديا

الصفحة 314