كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 32 """"""
وأنها لا تأمن أن يتصل به خبرهما وقالت : أنا أعمل الحيلة في قتله وتكون أنت الملك وأكون لك ونأمن على أنفسنا . فمن شدة ما عنده من حبها حسن لها ذلك ، فسمت الملك في شرابه فمات لوقته وحمل إلى الهرم .
وملك بعده فرعان بن مسور وجلس على سرير الملك فلم ينازعه أحد ، وفرح الناس بمكانته لشجاعته . وهو الذي كان الطوفان في وقته . قال : ولما ملك علا في الأرض وتجبر واغتصب الناس أموالهم وأنفسهم ونساءهم ، وعمل ما لم يعمله ملك قبله ؛ وأسرف في القتل وهابته الملوك وأقروا له . وهو الذي كتب إلى الدرمسيل ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام .
وذلك أن الدرمسيل بن محويل كتب إلى الأقاليم يسألهم : هلى يعرفون آلهة غير الأصنام ؟ ويذكر قصة نوح وأنه يريد تغيير ذلك ، وأن له إلهاً غيرها ، فكل أنكر ذلك . ولما اخذ نوح في بناء السفينة كتب فرعان إلى الدرمسيل يشير عليه بإحراقها ، وكان عند أهل مصر خبر الطوفان ولكنهم لم يقدروا كثرته وطول مقامه على الأرض ، فاتخذوا السراديب تحت الأرض وصفحوها بالزجاج وحبسوا فيها الرياح بتدبيرهم ، واتخذ فرعان منها عدة له ولأهل بيته . وكان فرعان قد أقصى الكهان وباعدهم ، وكانوا مع الملوك على خلاف ذلك . ولنصل هذا الخبر بخبر الكهان وما كانوا عليه .
ذكر خبر كهان مصر وحالهم مع الملوك
قال : وكهان مصر أعظم الكهان علماً ، وأجلهم في الكهانة حديثاً . وكان حكماء اليونان يصفونهم بذلك ، ويشهدون لهم به ويقولون : أخبرنا حكماء مصر بذلك فاستنفدناه منهم . وكانوا ينحون في كهانتهم نحو الكواكب ، ويزعمون أنها هي التي تفيض عليهم العلوم وتخبرهم بالغيوب ، وهي التي علمتهم أسرار الطبائع ، ودلتهم على العلوم المكنونة ؛ فعملوا الطلسمات المشهورة ، والنواميس الجليلة ، وولدوا الولادات الناطقة ، والصور المتحركة ؛ وبنوا العالي من البنيان ، وزبروا علومهم في الصلب من الصوان ، وانفردوا بعمل البرابي ، ومنعوا بها الأعداء من بلدهم ، وعجائبهم ظاهرة . وكان الذي يتعبد منهم الكواكب السبعة المدبرة لكل كوكب سبع سنين ، فإذا بلغ هذه الرتبة سمى قاطراً ، وكان يجلس مع الملك في المرتية ويصدر الملك عن رأيه ، وإذا رآه قام له .

الصفحة 32