كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 33 """"""
وكان من رسمهم في كل يوم أن يدخل القاطر إلى الملك فيجلس إلى جانبه ، ويدخل الكهنة ومعهم أصحاب الصناعات فيقفوا حذاء القاطر ، وكل واحد من الكهنة منفرد يكوكب يخدمه لا يتعداه إلى سواه ، ويسمى عبد كوكب كذا ، كما كانت العرب تسمى عبد شمس ، فيقول القاطر للكاهن : أين صاحبك ؟ فيقول : في البرج الفلاني في الدرجة الفلانية في دقيقة كذا ، ويسأل الآخر حتى إذا عرف مستقر الكواكب قال للملك : ينبغي لك أن تعمل اليوم كذا ، وتضع بنيان كذا ، وتوجه جيشاً إلى ناحية كذا ، وتجامع في وقت كذا ، وتأكل في وقت كذا ، وجميع ما يراه صلاحاً له في أموره كلها ؛ والكاتب قائم يكتب جميع ما يقوله القاطر ، ثم يلتفت إلى أهل الصناعات فيقول : انقش أنت صورة كذا على حجر كذا ، واغرس أنت كذا ، واصنع أنت كذا ، حتى يمر على أهل الصناعات ؛ فيخرجون إلى دار الحكمة ويضعون أيديهم في تلك الأعمال ، ويستعمل الملك جميع ما يأمره القاطر . ويشرح ذلك اليوم في الصحيفة وتطوى وتودع في خزانة الملك ، فعلى ذلك كانت تجري أمورهم .
وكان الملك إذا نابه أمر جمعهم واصطف الناس لهم في شارع المدينة ، ثم يدخلون ركباناً يقدم بعضهم بعضاً ، ويضرب بين أيديهم بطبل الاجتماع ، فيدخل كا واحد منهم بأعجوبة : فمنهم من يعلو وجهه نور كنور الشمس فلا يقدر أحد على النظر إليه ، ومنهم من يكون عليه بدنة جوهر أخضر أو أحمر من ذهب منسوج . ومنهم من يدخل راكباً أسداً متوشحاً بحيات عظام . ومنهم من تكون عليه قبة من نور أو من جوهر في صنوف من العجائب كثيرة . ويصنع كل واحد منهم ما يدله عليه كوكبه الذي يعبده ؛ فإذا دخلوا على الملك قالوا : أرادنا الملك لأمر كذا وقد علمنا ، أو أضمر الملك كذا والصواب فيه كذا . فكانوا مع ملوكهم على هذه الحال حتى ملك فرعان فأبعدهم . وكان فليمون رئيس الكهان ، فرأى فيما يرى النائم كأن مدينة أمسوس قد انقلبت بأهلها ، وكأن الأصنام تهوي على روءسها ، وكأن ناساً ينزلون من السماء معهم مقامع فيضربون الناس بها ، وكأنه قد تعلق بأحدهم وقال له : مالكم تفعلون بالخلق هذا أما ترحمونهم ؟ فقال : لأنهم كفروا بإلههم . قال : أفما لهم من خلاص ؟ قالوا : نعم ، من أراد الخلاص فليلحق بصاحب السفينة ، فانتبه وهو يخاطبه ، فبقي

الصفحة 33