كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 34 """"""
مرعوباً مما رآه . وكان له امرأة وولدان ذكر وأنثى ومعه تلاميذه ، فأجمع على أن يلحق بنوح عليه السلام ، ثم نام أيضاً فرأى كأنه في روضة خضراء ، وكأن فيها طيوراً بيضاء تفوح منها رائحة طيبة ، وكأنه تعجب من حسنها إذ تكلم بعض الطيور فقال لأصحابه : سيروا بنا ننج المؤمنين . قال له فليمون ومن هؤلاء المؤمنون ؟ قال : أصحاب السفينة . فانتبه مرعوباً وأخير أهله وتلاميذه بذلك ثم نام .
فلما كان الغد أتى الملك فقال : إن رأى الملك أن ينفذني إلى درمسيل لأعرف حال هذا الرجل الذي عمل السفينة فأشاهده أناظره على ما جاء به من هذا الدين الذي أظهره وأتبين حقيقة أمره فليفعل ؛ فإني أرجو أن يكون ذلك سبباً لهلاكه ودفعه عما يدعيه ، فاعجب الملك ذلك منه وأذن له في الخروج ، فسار بأهله وولده وتلاميذه حتى انتهوا إلى أرض بابل وقصد نوحاً وسأله أن يشرح له دينه ففعل ذلك ، فآمن به وجميع من معه ، فقال نوح عليه السلام : من أراد الله عز وجل به الخير لم يصدفه أحد عنه . فلم يزل فليمون مع نوح عليه السلام يخدمه هو وولده وتلاميذه إلى أن ركبوا السفينة .
وأما فرعان الملك فإنه أقام منهمكاً في ضلاله وظلمه ، مقبلاً على لهوه ، واستخف بالكهنة والهياكل ، وضاقت الدنيا بأهلها ، وكثر الهرج والظلم ، وفسدت الزروع ، وأجدبت النواحي ، وظلم الناس بعضهم بعضهم بعضاً ، ولم يكن أحد ينكر ذلك عليهم ، وسدت الهياكل والبرابي ، وطينت أبوابها ، وجاءهم الطوفان وأقبل المطر عليهم ، وكان فرعان سكران فلم يقم إلا بخرير الماء ، فوثب مبادراً يريد الهرب إلى الهرم فتخلخلت الأرض به ، وطلب الأبواب فخانته رجلاه وسقط على وجهه وجعل يخور كما يخور الثور ، إلى أن أهلكهه الله تعالى بالطوفان ، ومن دخل الأسراب منهم هلك بغمها ، ولحق الماء من الأرض والأهرام إلى آخر التربيع ، وهو ظاهر عليها إلى الآن ، وانقرضت ملوك الدنيا أجمع بالطوفان ولم يسلم إلا أصحاب السفينة كما تقدم . فعدة من سمى لنا من ملوك مصر قبل الطوفان على هذا السياق تسعة عشر ملكاً ، ثم ملكها بعد الطوفان من نذكره .

الصفحة 34