كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 37 """"""
مدينة في موضعه . وأمر مصريم عند موته أن يحفروا له في الأرض سرباً وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض ويجعلوا فيه جسده ، ويدفنوا معه جميع ما في خزائنه من الذهب والجوهر ، ويزبروا عليه أسماء الله تعالى المانعة من أخذه . فحفروا له سرباً طوله مائة وخمسون ذراعاً ، وجعلوا في وسطه مجلساً مصفحاً بصفائح الذهب ، وجعلوا له أربعة أبواب ، على كل باب منها تمثال من ذهب عليه تاج مرصع بالجوهر ، جالس على كرسي من ذهب قوائمه من زبرجد ، وزبروا في صدر كل تمثال آيات عظاماً مانعة ، وجعلوا جسده في جرن من المرمر مصفح بالذهب وزبروا على مجلسه : مات مصريم بن بيصر بن حام بعد سبعمائة عام مضت من أيام الطوفان ، ومات ولم يعبد الأصنام ، إذ لا هرم ولا سقام ، ولاحزن ولا اهتمام ، وحصنه بأسماء الله العظام ، لا يصل إليه إلا ملك ولدته سبعة ملوك يدين بدين الملك الديان ، ويؤمن بالبعث والفرقان ، الداعي إلى الإيمان في آخر الزمان . وجعلوا معه في ذلك المجلس ألف قطعة من الزبرجد المخروط ، وألف تمثال من الجوهر النفيس ، وألف برنية مملوءة من الدر الفاخر والصنعة الإلهية ، والعقاقير البرية ، والطلسمات العجيبة ، وسبائك الذهب مكدسة بعضها على بعض ، وسقفوا ذلك بالصخور العظام وهالوا فوقها الرمال بين جبلين . واستقل قبطيم بالملك بعد أبيه .
ويقال : إن قبط مصر منسوبون إليه . وهو أول من عمل العجائب وأثار المعادن ، وشق الأنهار . ويقال : إنه لحق البلبلة وخرج منهم بهذه اللغة القبطية ، وعمل ما لم يعمله أبوه من نصب الأعلام والمنارات والعجائب والطلسمات . وملكهم قبطيم أربعمائة وثمانين سنة ومات ؛ فاغتم عليه بنوه وأهله ودفن في الشرق في سرب تحت الجبل الكبير الداخل ، وصفحوه بالمرمر الملون وجعلت فيه منافذ للرياح ؛ فهي تنخرق فيه بدوي عظيم هائل ، وجعل فيه من الكبريت الأحمر وأكر من نحاس مطلية بأدوية مشعلة لا تطفأ ، ولطخوا جسده بالمر والكافور والموميا ، وجعلوه في

الصفحة 37