كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 38 """"""
جرن من ذهب في ثياب منسوجة بالمرجان والدر ، وكشفوا عن وجهه وجعلوه تحت قبة ملونة ، في وسطها درة معلقة تضيء كالسراج ، والقبة على أعمدة بين كل عمودين تمثال في يده أعجوبة ، وجعلوا حول الجرن توابيت مملوءة جوهراً وذهباً وتماثيل وصنعة وغير ذلك ، وحول ذلك مصاحف القبط والحكمة ، وسدوا عليه بالصخور والرصاص وزبروا عليه كما زبروا على ناووس أبيه .
وملك بعده ابنه قفطريم بن قبطيم ، وكان أكبر ولد أبيه ؛ وكان جباراً عظيم الخلق ، وهو الذي وضع أساسات الأهرام الدهشورية وغيرها ليعمل منها كما عمل الأولون ، وهو الذي بنى دندرة ومدينة الأصنام . ودندرة : بلد من بلاد إقليم قوص ، وهي في البر الغربي مشهورة هناك . قال : وأثار من المعادن ما لم يثره غيره ، وكان يجر من الذهب مثل حجر الرحى ، ومن الزبرجد كالأسطوانة ، ومن الأسباد شم في صحراء الغرب كالقلة . وعمل من العجائب شيئاً كثيراً . وبنى مناراً عالياً على جبل قفط يرى من البحر الشرقي ، ووجد هناك معدن زئبق فعمل منه بركة كبيرة ، فيقال إنها هناك إلى الآن ، وأما المنار فسقط ، وعمل عجائب كثيرة . ويقال : إنه بنى المدائن الداخلة وعمل فيها عجائب كثيرة ، منها : الماء الملفوف القائم كالعمود لا ينحل ولا يذوب ، والبركة التي تسمى فلسطين ، أي صيادة الطير ، إذا مر عليها الطير سقط فيها ولم يمكنه أن يبرح حتى يؤخذ ، وعمل أيضاً عموداً من نحاس عليه صورة طائر إذا قربت الأسد والحيات والأشياء المضرة من تلك المدينة صفر صفيراً عالياً فترجع تلك الدواب هاربة . وكان على أربعة أبواب هذه المدينة أربعة أصنام من نحاس لا يقرب منها غريب إلا ألقى عليه النوم والسبات ، فينام عندها ولا يستيقظ حتى يأتيه أهل المدينة ، وينفخون في وجهه فيقوم ، وإن لم يفعلوا ذلك لم يزل نائماً عند الأصنام حتى يهلك . وعمل مناراً لطيفاً من زجاج ملون على قاعدة من نحاس ، وعلى رأس المنارة صورة صنم من أخلاط كثيرة ، وفي يده كالقوس كنه يرمي عنها ، فإن عاينه غريب وقف في موضعه لم يبرح حتى ينجيه أهل المدينة . وكان ذلك الصنم يتوجه إلى مهب الرياح الأربع من نفسه .

الصفحة 38