كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 40 """"""
نحاس مشوهتين بأيديهما سيفان كالبرق ، ووراءهما بلاطة تحتها لوالب فمن وطئها ضرباه بأسيافهما فقتلاه ، وفي سقف كل أزج كرة عليها لطوخ مدبر يسرج ، وسد باب الأزج بالأساطين ورصوا على سقفه البلاط العظام وردموا فوقها الرمال ، وزبروا على باب الأزج : هذا الداخل إلى جسد الملك العظيم المهيب الكريم الشديد قفطريم ذي الأيد والفخر ، والغلبة والقهر ، أفل وبقي نجمعه ذكره وعلمه ، فلا يصل أحد إليه ، ولا يقدر بحيلة عليه ، وذلك بعد سبعمائة وسبعين ، ودورات مضت من السنين .
قال : ولما مات قفطريم ملك بعده ابنه البودسير بن قفطريم ، فتجبر وتكبر وعمل بالسحر واحتجب عن العيون ، وقد كان أعمامه أشمون وأتريب وصاملوكا على أحيازهم إلا أنه قهرهم بجبروته وقوته ، فكان الذكر له كما كان لأبيه . ويقال : إنه أرسل هرمس الكاهن المصري إلى جبل القمر الذي يخرج النيل من تحته حتى عمل هناك هيكل التماثيل النحاس ، وعدل إلى البطيحة التي ينصب إليها ماء النيل .
ويقال : إنه الذي عدل جانبي النيل وقد كان يفيض في مواضع وينقطع في مواضع ، وأمره البودسير أن يسير مغرباً فينظر إلى ما هناك ، فوقع على أرض واسعة متخرقة بالمياه والعيون كثيرة العشب ، فبنى منائر ومنتزهات ، وحول إليها جماعة من أهل بيته فعمروا تلك النواحي وبنوا فيها حتى صارت أرض الغرب كلها عمارة ، وأقامت كذلك مدة كثيرة وخالطهم البربر فتناكحوا ؛ ثم إنهم تحاسدوا وبغى بعضهم على بعض ، وكانت بينهم حروب فخرب البلد وباد أهله إلا بقية منازل تسمى الواحات هي موجودة إلى وقتنا هذا .
ويقال : إنه عمل عجائب كثيرة في وقته ، منها : قبة لها أربعة أركان وفي كل ركن منها كوة يخرج منها كالدخان الملتف في ألوان شتى يستدلون بكل لون على شيء ؛ فما خرج منه أخضر دل على العمارة وحسن النبات والزرع وصلاحه ، وإن خرج الدخان أبيض دل على الجدب وقلة الزكاء ، وإن خرج أحمر دل على الدماء والحروب وقصد الأعداء ، وإن كان أسود دل على كثرة الأمطار والمياه فساد بعض

الصفحة 40