كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 41 """"""
الأرض بذلك ، وإن كان أصفر دل على النيران وآفات تحدث في الفلك ، وما كان منها مختلطاً دل على مظالم الناس وتعدى بعضهم على بعض وإهمال ملوكهم لهم ، وأشياء من هذا الضرب . وكانت هذه القبة على منار أقام زمناً طويلاً ثم هدمه بعض الملوك البربر ؛ لأنه أراد غزو قوم بتلك الناحية فعلموا بحاله فانتقلوا عن ذلك الموضع إلى قرب النيل فلما جاء ولم يجدهم هدمه . ومما عمل له في الصحراء التي تقرب منه - وكانت الوحش قد كثرت وأفسدت عليهم زرعهم وكذلك خنازير الماء - شجرة من نحاس عليها أمثال تلك الوحوش ملجمة أفواهها بخيوط من نحاس ، فما يجوز بها من الوحش لا يستطيع الحراك ولا البراح من عندها حتى يؤخذ قبضاً ويقتل ؛ فأشبع الناس في لحوم تلك الوحوش وانتفعوا بجلودها زماناً طويلاً إلى أن انتزعها بعض ملوك الغرب سراً من أهل مصر وقدر أن ينصبها في بلدهم فتعمل له مثل ذلك ، فلما عملها بطلت ؛ لأنهم كانوا يعلمون ما يعملون بطالع يأخذونه له ، فلا يزال عمله مستقيماً إلى أن تغير عن مكانه فبطل عمله .
وما عمل في وقته أن غراباً نقر عين صبي من أولاد الكهنة فقلعها ، فعمل شجرة من نحاس عليها تمثال غراب من نحاس في منقاره حربة بادية الطرفين ، منشور الجناحين ، وكتب على ظهره كتاباً ؛ فكانت الغربان تقع على تلك الشجرة ولا تبرح حتى تؤخذ فتقتل ، ففي أكثر الغربان وزالت عن تلك الناحية إلى ناحية الشام ، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن أصاب بعض ملوكهم علة ووصف له فيها لحم غراب يطبخه ويأكله ويشرب من مرقه فلم يوجد ، فوجه إلى آخر العمل الذي بمصر من ناحية الشام من يأتيه بغراب فأبطأ عليه ، فأمر بنزع الشجرة فرجع الغربان وأخذ منها ما عولج به الملك قبل أن يرجع رسوله .
ومما عمل في وقته - وكانت الرمال قد كثرت عليهم من ناحية الغرب حتى ظهرت على زروعهم - فعمل لذلك صنماً من صوان أسود على قاعدة منه وعلى كتفه شبه القفة فيها كالمسحاة ، ونقش على جبهته وصدره وذراعيه وساقيه حروفاً ، وأقامه الكاهن بطالع أخذه له ووجهه إلى الغرب ، فانكشفت تلك الرمال ورجعت إلى

الصفحة 41