كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 42 """"""
ورائها . فتلك الأكداس العالية في صحراء الغرب منها . ولم تزل الرمال تندفع عنهم إلى أن زال ذلك الصنم عن موضعه . قال : وأقام البودسير مدة واحتجب عن الناس ، وكان يتجلى لهم في صورة وجه عظيم ، وربما خاطبهم ولا يرونه ، ثم غبر مدة وهم في طاعته إلى أن رآه ابنه عديم وهو يأمره بالجلوس على سرير الملك .
فجلس عديم بن البودسير على الملك وكان جباراً لا يطاق ، عظيم الخلق ، فأمر بقطع الصخور ليعمل هرماً كما عمل الأولون . قال : وكان في وقته الملكان اللذان هبطا من السماء ، وكانا في بئر يقال لها أفناوه ، وكانا يعلمان أهل مصر السحر . ويقال : إن عديم استكثر من علمهما ثم نقلا إلى بابل .
قال : وأهل مصر من القبط يقولون إنهما شيطانان يقال لهما : مهلة ومهالة ، وليس هما الملكين . والملكان ببابل في بئر هناك يغشاها السحرة إلى يوم الساعة .
ولنصل هذا الفصل بخبر هاروت وماروت وإن لم يكن منه ؛ وإنما الشيء بالشيء يذكر . والله أعلم .
ذكر خبر هاروت وماروت
قال الله تعالى : واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وماأنزل على الملكين ببابل وهاروت وماروت . الآية . قال أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره : وكانت قصتهما - على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه والمفسرون - أن الملائكة رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة وذنوبهم الكثيرة ؛ وذلك في زمن إدريس عليه السلام فيعيرونهم بذلك ، ودعت عليهم الملائكة وقالوا : هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض واخترتهم فهم يعصونك ؛ فقال الله عز وجل لهم : لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لركبتم ما ارتكبوا ؛ فقالوا : سبحانك ما كان ينبغي أن نعصيك ؛ قال الله تعالى : فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض ، فاختاروا هاروت وماروت ، وكانا من اصلح الملائكة

الصفحة 42