كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
وقال مجاهد : كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما ذات ليلة فقال لي : ارمق الكوكبة فإذا طلعت فأيقظني ، فلما طلعت أيقظته ، فجعل ينظر إليها ويسبها سباً شديداً ، فقلت : رحمك الله تسب نجماً سامعاً مطيعاً لله ؟ ماله يسب فقال : إن هذه كانت بغياً فلقي الملكان منها ما لقيا . وقال نافع : كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رأى الزهرة قال : لا مرحباً بها ولا أهلاً . وروى أبو عثمان النهدي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت ، فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة .
قال الثعلبي : وأنكر الآخرون هذا القول وقالوا : إن الزهرة من الكواكب السبعة السيارة التي جعلها الله قواماً للعالم ، وإنما كانت هذه التي فتنت هاروت وماروت امرأة ، كانت تسمى زهرة من جمالها ، فلما بغت جعلها الله تعالى شهاباً ، فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الزهرة ذكر هذه المرأة لموافقة الاسمين فلعنها ، وكذلك سهيل العشار . والله أعلم .
قالوا : فلما أمسى هاروت وماروت بعد ما قارفا الذنب هما بالصعود إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما ، فعلما ما حل بهما فقصدا إدريس عليه السلام فأخبراه بأمرهما وسأله أن يشفع لهما إلى الله عز وجل ففعل ذلك ، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا إذ علما أنه ينقطع ، فهما ببابل يعذبان . واختلف العلماء في كيفية عذابهما فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : هما معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة . وقال قتادة : كبلا من أقدامهما إلى أصول أفخاذهما . وقال مجاهد : إن جبا ملئ ناراً فجعلا فيه . وقال حصيف : معلقان منكسان في السلاسل . وقال عمير بن سعد : منكوسان يضربان بسياط الحديد .
وروى أن رجلاً أراد تعلم السحر فقصد هاروت وماروت فوجدهما معلقين بأرجلهما ، مزرقة أعينهما ، مسودة جلودهما ، ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا قدر أربع أصابع ، وهما يعذبان بالعطش ، فلما رأى ذلك هاله مكانهما فقال : لا إله إلا الله ، وقد نهى عن ذكر الله هناك . فلما سمعا كلامه قالا : من أنت ؟ قال : رجل من الناس . قالا : من أي أمة

الصفحة 44