كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 5 """"""
خط الاستواء على البحر الأسود الزفتي ، وأراه النيل كيف يجري فوق ذلك البحر الأسود مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر ، ثم يخرج إلى بطائح هناك . ويقال : إنه عمل بيت التماثيل هناك ، وعمل فيه هيكلاً للشمس . ورجع إلى أمسوس فقسم البلد بين بنيه ، فجعل لنقارس الجانب الغربي ، ولسورب الجانب الشرقي ، ولابنه الصغير وهو مصرام مدينة سماها برسان وأسكنه فيها ، وأقام فيها أساطين وشق لها نهراً وغرس بها غروساً . وعمل بامسوس عجائب كثيرة ، منها صورة طائر على أسطوانة عالية ، يصفر كل يوم مرتين عند طلوع الشمس وعند غروبها صفيراً مختلفاً ، فيستدلون به على ما يكون من الحوادث فيتأهبون لها ؛ ومخزن للماء المقسوم على جناتهم مائة وعشرين قسماً لا يقدر أحد أن يحوز ما ليس له . وعمل وسط المدينة صنمين من حجر اسود ، إذا تقدم السارق لم يقدر على الزوال عنها حتى يسلك بينهما ، فإذا دخل بينهما أطبقا عليه فيؤخذ . وله أعمال كثيرة سوى هذه . قال : وعمل في برسان صورة من نحاس مذهب على منار عال لا تزال عليها سحب تظلها ، من استمطرها أمطرت عليه ماء ، فهلكت في الطوفان .
و عمل على حدود بلادهم أصناماً من نحاس مجوف وملأها ناراً وكبريتاً وجلب إليها روحانية النار ، فإن قصدهم قاصد بسوء أرسلت تلك الأصنام من أفواهها ناراً أحرقته . وكان حد بلادهم إلى داخل الغرب مسفة أيام كثيرة عامراً كله بالقصور والبساتين ، وكذلك في المشرق إلى البحر ، ومن الصعيد إلى بلاد علوة .
وعمل فوق جبال بطرس مناراً يفور بالماء يسقي ما تحته من المزارع . وملكهم مائة وثمانين سنة . فلما مات لطخوا جسده بالأدوية الممسكة ، وجعلوه في تابوت من ذهب ، وعملوا له ناووساً مصفحاً بالذهب ، وجعلوا معه كنوزاً من أنواع الجواهر وتماثيل الزبرجد ، وكنزاً من الصنعة المعمولة ، وأواني الذهب والطلسمات التي تدفع الهوام وغيرها ، وزربوا عليه تاريخ الوقت . ولما مات ملك بعده ابنه نقارس بن نقراوس ، فتجبر وعلا أمره ، وبنى مدينة يقال لها خلجة ، وعمل فيها جنة صفح حيطانها بصفائح الذهب والحجارة الملونة ، وغرس فيها أصناف الفواكه والغروس الحسنة ، وأجرى تحتها الأنهار ، وأمر بإقامة

الصفحة 5