كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 51 """"""
له فعله ، وهذا ناووس شداث بن عديم بن قفطريم الملك ، عمل ما لا يحل لع فكوفئ عليه بمثله .
قال : ولما هلك عمل له سرب في سفح الجبل فيه قبة على مجلس قد صفح بالفضة وجعل فيه على سرير ملكه ، وجعل معه من الأموال والجواهر والتماثيل وأصناف الحكم والمصاحف شيء كثير . وكان له أربعمائة وأربعون سنة .
وملك بعده ابنه منقاوش بن شداث ؛ فملك بحزم وحنكة وأظهر مصاحف الحكم وأمر بالنظر فيها ، وأن ينسخ منها لهم بخط العامة ليفهموها ، ورد الكهنة إلى مراتبهم . وهو أول من عمل له الحمام من ملوك مصر . وكان كثير النكاح ؛ تزوج عدة نساء من بنات عمه وبنات الكهنة ، وجعل لكل امرأة منهن مكاناً بجميع ما يصلحه من البنيان العجيب والصور المتقنة والغروس الحسنة والآلات العجيبة ، وأسكنهن فيها . وقد قال بعض أهل الأثر : إنه الذي بنى منف لبناته وكن ثلاثين بنتاً ونقلهن إليها ، وعمل مدناً غيرها ومصانع ، وعمل هيكلاً لصور الكواكب وأصنامها على ثمانية فراسخ من منف ، وعمل بتلك الناحية طلسمات كثيرة وعجائب أغرب فيها بفضل حكمة أبيه وجده ، وعمل في السنة اثني عشر عيداً لكل شهر عيد يعمل فيه من الأعمال ما كان موافقاً لبرج ذلك الشهر ؛ وكان يطعم الناس في تلك الأعياد ويوسع عليهم ، ففرح الناس به ورأوا معه مالم يروه مع غيره ، وفتح عليه من المعادن ما لم يفتح على أحد ، وألزم أصحاب الكيمياء العمل فكانوا لا يفترون ليلاً ولا نهاراً ؛ فاجتمع عنده أموال عظيمة وجوهر كثير وزجاج نفيس مسبوك وغير ذلك ، فاحب كنزه فدعا أخاً له فقال له : قد ترى كثرة هذا الذهب والجوهر ، وما عمل من هذه التماثيل الكثيرة ، ولست آمن أن يتسامع بنا الملوك فيغزونا من أجله ، فأمعن في أرض الغرب ثم انظر مكاناً حريزاً خفي الأثر ثم أحرزه فيه ثم استره بعلامات واكتب صفة المكان وطريقه وعلامته . قال : ويقول أهل الأثر : إنه حمل معه اثنتي عشرة ألف

الصفحة 51