كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 52 """"""
عجلة ، منها من الجوهر ثلاثمائة عجلة ، وسائرها من الذهب الإبريز الصفائح والمضروب ، ومن آلات الملوك وطرائفهم وسلاحهم وأوانيهم ؛ فسار في الجنوب يوماً ثم أخذ مغرباً اليوم الثاني وبعض الثالث ، فانتهى إلى جبل أسود منيف ليس له مصعد بين جبال مستديرة حوله ، فعمل تحت ذلك الجبل أسراباً ومغاور ودفن فيها ما كان معه وردمها وزبر عليها ورجع ؛ فمكث أربع سنين يبعث كل سنة عجلاً عظيمة تدفن في نواح شتى . وهو الذي عمل في انديمس المدينة بيتاً تدور به تماثيل لجميع العلل ، وكتب على رأس كل تمثال ما يصلح له من العلاج ، فانتفع الناس بها زماناً إلى أن أفسدها بعض الملوك ضنا بالحكمة . وعمل في هذه المدينة صورة امرأة مبتسمة لا يراها مهموم إلا زال همه ونسيه ؛ وكان الناس يأتونها ويطوفون حولها ثم عبدوها نم بعد . وعمل تمثالاً روحانياً من صفر مذهب بجناحين لا يمر به زان وال زانية إلا كشف عورته بيده ، وكان الناس يمتحنون به فامتنعوا من الزنا فرقاً منه ، واستمر كذلك إلى زمن كلكمن الملك ؛ وذلك أن بعض نسائه ، وكانت حظية عنده ، عشقت رجلاً من خدم الملك وخافت أن ينتهي إليه خبرها فيمتحنها بذلك الصنم فيقتلها ، فاحتالت لذلك فخلا بها الملك في بعض الليالي ، وهما يشربان ، فأخذت في ذكر الزواني وجعلت تسبهن وتذمهن ، فذكر الملك ذلك الصنم وما فيه من المنافع للناس ، وما يستحق من عمله من الثناء والذكر الجميل ؛ فقالت المرأة : إنه كذلك وقد صدق الملك ، غير أن منقاوش لم يصب الرأي في أمره ؛ قال الملك : وكيف قلت ذلك ؟ قالت : لأنه أتعب نفسه وحكماءه فيما جعله لصلاح العامة دون نفسه ، وهذا أكبر العجز ؛ وإنما كان حكم هذا التمثال أن ينصب في دار الملك حيث تكون نساؤه وجواريه ، فإن افترقت إحداهن ذنباً علم بها فيكون رادعاً لهن متى عرض بقلوبهن شيء من الشهوة ؛ لان شهواتهن أغلب وأكثر من شهوات الرجال ؛ ولو حدث - وأعوذ بسعد الله الأعلى - في دار الملك شيء من هذا فأحب امتحانه فضح نفسه وشاع في الخاص والعام أمره ، وإن عاقب بغير أمر يتحققه كان متعدياً آثماً ، وإن لم يمتحنه صبر

الصفحة 52