كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 54 """"""
فعمل له تمثالها من ذهب بذؤابتين من ذهب أسود ، وألبست حلة من جواهر منظومة وجعلت جالسة على كرسي ، فكانت تجعل بين يديه في موضع تجلس فيه يتسلى بذلك عنها ، فدفنت معه عند رجليه . وملك بعده ابنه مناوش بن منقاوش ؛ ملك بوصية من أبيه ، فطلب الحكمة على عادة أبيه واستخرج كتبها وأكرم أهلها ، وبذل فيهم الجوائز وطلب الإغراب في عمل العجائب ، وكان كل واحد من ملوكهم يجهد جهده في أن تعمل له غريبة من الأعمال لم تعمل لمن كان قبله وتثبت في كتبهم وتزبر على الحجارة في تواريخهم . قال : ومناوش هذا أول من عبد البقر من أهل مصر ، وكان السبب في ذلك أنه اعتبل على يئس منه فيها ، وأنه رأى في منامه صورة روحاني عظيم يخاطبه ويقول له : إنك لا يخرجك من علتك إلا عبادة البقر لأن الطالع كان وقت حلولها بك في صورة ثور بقرتين ؛ ففعل ذلك ، وأمر بأخذ ثور أبلق حسن الصورة ، وعمل له مجلساً في قصره وسقفه بقبة مذهبة ، فكان يبخره ويطيب موضعه ، ووكل به سادنا يقوم به ويكنس تحته ، وكان يتعبد له سراً من أهل مملكته ، فبرأ من علته وعاد إلى أحسن أحواله .
ويقال : إنه أول من عمل العجل وضببها بالذهب ، وعمل فيها قباباً من الخشب المذهبة وفرشت بأحسن الفرش ، وكان يركب عليها مع من أحب . وقيل : إنه عمل له ذلك في علته لأنه كان لايقدر على الركوب ؛ وكانت البقر تجره فإذا مر بالمكان النزه أقام فيه ، وإن مر بالمكان الخراب أمر بعمارته . وقيل : إنه نظر إلى نظر ثور أبلق من البقر الذي عجلته فأعجبه حسن بشرته فأمر بترفيهه وسوقه بين يديه إلى كل موضع يسلكه إعجباً به ، وجعل عليه جلا من الديباج المنسوج بالذهب ، فلما كان في بعض الأيام - وقد خلا في موضع منفرد عن أتباعه والثور قائم بين يديه - إذ خاطبه الثور وقال : لو رفهني الملك عن السير معه وجعلني في الهيكل وعبدني وأمر أهل مملتكه بعبادتي كفتيه ما يريده ، وعاونته على أمره ، وقويته في ملكه ،

الصفحة 54