كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 57 """"""
العمود ، من اعتنقه لم يحتجب عن نظره شيء من الروحانيات ، ويسمع كلامهم ويرى ما يعملون ، وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده مصحف فيه علوم الكهنة ، فمن أحب ذلك العلم أتى تلك الصورة فمسحها بيديه وأمرهما على صدره فيثبت ذلك العلم في صدره . ويقال : إن هاتين المدينتين قمنطر ومدينة السحرة بنيتا على اسم هرمس وهو عطارد ، وأنهما بحالهما .
قال : وحكي عن رجل أنه أتى عبد العزيز بن مروان ، وهو على مصر ، فعرفه أنه تاه في صحراء الشرق وأنه وقع على مدينة خراب ، وأنه وجد فيها شجرة تحمل من كل فاكهة ، وأنه أكل منها وتزود ؛ فقال له رجل من القبط : هذه إحدى مدينتي هرمس وفيها كنوز كثيرة ؛ فوجه عبد العزيز معه جماعة وحمل معهم زاداً وماء ، فأقاموا يطوفون شهراً في تلك الصحارى فلم يقفوا لها على اثر . ويقال : إن أشمون عمل في وقته على باب الأشمونين إوزة من نحاس ، فكان الغريب إذا دخل المدينة صاحت الإوزة وخفقت بجناحيها فيعلم به ، فإن أحبوا منعوه ، وإن أحبوا تركوه .
قال : وفي أيامه كثرت الحيات فكانوا يصيدونها ويعملون من لحومها الأدوية والدرياقات ، ثم ساقوها بسحرهم إلى وادي الحيات في جابل لوبية ومراقية فسجنوها هناك . قال : وهو أول من عمل النوروز بمصر ورتبه سبعة أيام يدمنون فيها الأكل والشرب واللهو . وفي زمانه ينبت البهنسا وأقام بها أسطوانات ، وجعل فيها مجلساً من زجاج أصفر وعليه قبة مذهبة ، فكانت الشمس إذا طلعت على القبة ألقت شعاعها على المدينة . وعمل فيها عجائب كثيرة يطول الشرح بذكرها .
قال : ويقال إن أشمون كان أول إخوته ملكاً ، وكان أعدل بني أبيه وأرغبهم في صنعة تبقى ويبقى ذكرها . وهو الذي بنى المجالس المصفحة بالزجاج الملون في وسط النيل . وتزعم القبط أنه بنى سرباً تحت الأرض من الأشمونين إلى أنصنا تحت

الصفحة 57