كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 15)

"""""" صفحة رقم 59 """"""
وملك بعده ابنه - ولم يسمه إبراهيم - فكان أحزم من أبيه ، فعظم في عيون أهل مصر ، وهو أول من عمل الميدان أمر أصحابه برياضة أنفسهم فيه . وأول من عمل البيمارستانات لعلاج المرضى والزمني وأودعها العقاقير ورتب فيها الأطباء وأجرى عليهم ما يسعهم ، وأقام الأمناء على ذلك ، وصنع لنفسه عيداً وسماه عيد الملك ؛ فكان الناس يجتمعون إليه في يوم من لاسنة ، فيأكلون ويشربون سبعة أيام وهو يشرف عليهم في مجلس قد بني له على عمد قد طوقت ذهباً وألبست فاخر الذهب المنسوج ، وعليه قبة مصفحة من داخلها وخارجها بالذهب والزجاج المسبوك ، وكان يعطي كل قوم قسطهم من النظر ثم يكثرون الدعاء له وينصرفون إلى مواضعهم .
وفي أيامه بنيت سنترية في صحراء الواحات ، عملها من حجارة بيض مربعة على تقدير واحد ، وجعل في كل حائط من حيطانها باباً في وسطه شارع ينتهي إلى الحائط المجاور له من الجهة الأخرى ، وجعل في كل شارع أبواباً يمنة ويسرة وتنتهي طرقاتها إلى داخل المدينة ، وجعل في وسط هذه المدينة ملعباً يدور به من كل ناحية سبع درج ؛ وعمل عليه قبة من خشب مدهون على عمد عظيمة من رخام ، وفي وسطه منار من رخام عليه صنم من صوان أسود يدور مع الشمس بدورانها ، وبسائر نواحي القبة صور معلقة تصفر وتصيح بلغات مختلفة . وكان الملك يجلس على الدرجة العالية من الملعب وحوله بنوه وأقاربه به وأبناء الملوك ، وعلى الدرجة الثانية رؤساء الكهنة والوزراء ، وعلى الثالثة رؤساء الجيش ، وعلى الرابعة أصحاب الفلسفة والمنجمون والأطباء وأصحاب العلوم ، وعلى الخامسة أصحاب العمارات ، وعلى السادسة أصحاب المهن ، وعلى السابعة العامة ؛ فيقال لكل طائفة منهم : انظروا من دونكم ولا تنظروا من فوقكم ، فإنكم لا تلحقونهم . فكان في هذا ضرب من التأديب .
قال : وكان للملك عدة نسوة ، وكان يحب منهن امرأتين ويتخطاهما ويجمع بينهما في مجلس واحد ، فمال لإحداهما في بعض الأيام دون الأخرى ، فغارت وغرب عقلها وتناولت سكيناً ودخلت إلى الملك وهو مغتر وتلك المرأة جالسة إلى جنبه فضربتها بالسكين ، وقام الملك دونها ليمنعها منها فضربته على فؤاده فخر صريعاً ، وقبض على المرأة وحبست ، ومات الملك . وقد أوصى بقتل المرأة ووضع رأسها على ناووسه . ومدة ملكه ستون سنة .

الصفحة 59